2015-11-23, 12:29
|
رقم المشاركة : 2 |
إحصائية
العضو | | | رد: أساليب التنبيه في القرآن |
معانٍ أخرى تستعمل في التنبيه ، منها : صيغة الأمر :
ومن الأمثلة على ذلك : قوله تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا " (الفرقان : 45-46)
فقوله : " أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ " ؟ : أي : انظر وتفكّر وتنبّه إلى هذه الآية من آيات الله .
وقوله تعالى : " وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ " (التكوير : 25-27)
فقوله : " فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ " ؟ : أي : انتبهوا ، ولا تذهبوا بعيداً منصرفين عن إدراك الحقيقة .
وقول الشاعر : أَلَمْ تَسْمَعِي أيْ عَبْدَ في رَوْنَقِ الضُّحى --- بُكاءَ حَماماتٍ لَهُنَّ هَديرُ ؟
أي : انتبهي لبكائهن ، فإنك عندئذ تذكرين بكاء عاشقك . الكناية :
ومن فوائدها : التنبيه على عظم القدرة ، نحو قوله تعالى : " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ " (الأعراف : 189) ، كناية عن آدم .
ومنها : التنبيه على المصير ، نحو قوله تعالى : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ " (المسد : 1) ، أي : جهنمي مصيره الى اللهب ، " حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ " ، أي : نمامة مصيرها إلى أن تكون حطبًا لجهنم في جيدها حبل . إيجاز الحذف :
ومن فوائده : التنبيه على أن الزمان يتقاصر عن الإتيان بالمحذوف وأن الإشتغال بذكره يفضي إلى تفويت المهم . وهذه هي فائدة باب التحذير والإغراء ، وقد اجتمعتا في قوله تعالى : " نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا " (الشمس : 13) ، فناقة الله تحذير بتقدير ذروا ، وسقياها إغراء بتقدير الزموا . التكرير :
ومن فوائده : زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ، ومنه قوله تعالى : " وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ " (غافر : 38-39) ، فإنه كرّر فيه النداء لذلك . عطف الخاص على العام :
ومن فوائده : التنبيه على فضله حتى كأنه ليس من جنس العام تنزيلاً للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات . ومن أمثلته قوله تعالى : " حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى " (البقرة : 238) ،
وقوله تعالى : " مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ " (البقرة : 98) ،
وقوله تعالى : " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ " (آل عمران : 104) ، وقوله تعالى : " وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ " (الأعراف : 170) ، فإن إقامتها من جملة التمسك بالكتاب وخصت بالذكر إظهاراً لرتبتها لكونها عماد الدين . وخُصّ جبريل وميكائيل بالذكر ردًا على اليهود في دعوى عداوته وضمّ إليه ميكائيل لأنه ملك الرزق الذي هو حياة الأجساد كما أن جبريل ملك الوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح .
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : " وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ " (النساء : 110) ،
وقوله تعالى : " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ " (الأنعام : 96) ، حيث خصّ المعطوف في الثانية بالذكر تنبيهًا على زيادة قبحه .
وضع الظاهر موضع المضمر :
ومن فوائده : التنبيه على علية الحكم ، نحو قوله تعالى : " فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً " (البقرة : 59) ،
وقوله تعالى : " فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ " (البقرة : 98) ، لم يقل لهم إعلامًا بأن من عادى هؤلاء فهو كافر وأن الله إنما عاداه لكفره . ومن أدوات التنبيه أيضاً :
أداة الاستفهام " هل " التي لا تحتاج للجواب : " هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا " ؟ فقد جاء الجواب بعد ذلك مباشرة : " الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " (الكهف : 103)
" قل " :
فهي تقرع الأسماع ، وتنشط الذاكرة ، نحو قوله تعالى : " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا " (الكهف : 103) ،
وقوله تعالى : " قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا " (الكهف : 109) ،
وقوله تعالى : " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " (الكهف : 110) .
ومن عناصر التنبيه في الكلام أيضاً لفت النظر إلى معانٍ دقيقة ، لا يتنبّه لها الذهن العادي من أول وهلة ، لكنه إذا لُفت نظره إليها ، أو انتبه لها بنفسه أُعجب بها ، وربما أحسّ أنه امتلك أمراً طريفاً لم يكن يخطر على باله .
ومن أمثلة هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " ومَن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه " ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " ليس الشديد بالصُّرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " انصر أخاك ضالماً أو مظلوماً " قيل : كيف أنصره ظالماً ؟ قال : " تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره " .
فنبّه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأقوال على أفكار طريفة قلّما يتنبّه لها الذهن العادي ، وقلّما تخطر على البال ، لا سيّما ما جاء في بيان نصر الظالم ، فمن المثير للاستغراب دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نصرة إخواننا الظالمين ، لكن من المريح والمثير للإعجاب تفسير ذلك بحجزهم عن الظلم ، وكفّهم عن ممارسته والقيام به ، لئلا يوقعهم في المهالك .
ومن الأمثلة أيضاً قول المتنبي :
يا من يعزّ علينا أن نفارقهم --- وجِدانُنا كل شيء بعدهم عدم
فإن صدر هذا البيت يشتمل على معنى مبذول ، لكن لمّا جاء عجز البيت ارتقى الكلام ارتقاءً عالياً ، إذ جعل حيازته لكل شيء بعد مفارقة ممدوحة عدماً أو بمثابة العدم . وهذا معنى دقيققلّما يخطر على البال ، فندرة خطوره على البال لدى معظم الناس نبّه إلى قيمته الأدبية وأغلاها .
| التوقيع | أيها المساء ...كم أنت هادئ | |
| |