2017-01-17, 20:27
|
رقم المشاركة : 6 |
إحصائية
العضو | | | رد: صدى رجالات آسفي في التاريخ | تتمة حلقات عن مجموعة من رجالات مدينة أسفي في سلسلة تحت عنوان: "صدى رجالات أسفي في التاريخ " من إعداد الدكتور منير الفيلالي البصكري، الحلقة 37 : الأستاذ الدكتور سيدي محمد بنشريفة :
جريدة أسفي نيوز الإلكترونية | 31/12/15 أشعر وأنا أكتب عن رجل من رجالات أسفي ، مثل الدكتور محمد بنشريفة ، الأستاذ الكبير والباحث التحرير، والأديب الأريب ، والإنسان اللبيب ، والشخصية الوجيهة ، والعالم المتفنن الحقيق بالتقدير.. أنني أنهض بعبء كبير، وأنا أعلم ثقل المئونة فيه . فهو رجل من رجال الفكر والأدب والقلم والقرطاس .. رجل هادئ الطبع ، صاحب مبادئ وقيم ، متواضع لدرجة كبيرة ، قوي في نقاشه ، متزن ، متمكن من ثقافة عالية المستوى ، صادق مع الجميع ، ملتزم ، بليغ متمكن من حديثه ، وطني كبير في وطنيته .. يتمتع بنفس أبية ، ندر حياته للعلم والمعرفة والبحث العلمي المتواصل .. فكانت كتاباته تنم عن وعي رصين وعقل متفتح ، وعلم غزير . ولعل أستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري أصاب في القول حين وصف سيدي محمد بنشريفة بأنه : " لو شئت أن أختصر ما يوصف به الأخ الكريم ، والصديق الحميم ، وأنى لي أن أختزل واسعا ، وأجمع شاسعا ، لقلت إن معشره لطيف وطبعه أليف ، وإن جده طريف وهزله ظريف .. تزينه دماثة سمحة رصينة ، ورجاحة حليمة رزينة ، في هدوء وأناة وسكينة ، مع دؤوب وثبات وغور بعيد ، وحرص وروية ونظر سديد . يطيل الإصغاء حين ينصت ، ولا يحدث إلا بالهمس ويخفت ، وقد يستغني بالتلويح عن التصريح ، وربما استدل بالعبارة الإشارة ، وعمد إلى الرمز والإيماء أو التلميح والإيحاء . "هذا هو سيدي محمد بنشريفة ، واحد من رجالات أسفي الذين تركوا وما يزالون ، صدى عميقا في تاريخ الثقافة المغربية . ولد بأسفي سنة 1930 ، التحق بالكتاب كغيره من أبناء جيله . بدت مخايل النجابة عليه مبكرا وهو يجتاز التعلم في بداية مراحله .. فأخذ نفسه بالتلقين والتهذيب ، يحدوه طموح جارف .. فكان دائم الاتصال بشباب النهضة في أسفي ومراكش ، حيث كان له ولوع بالمطالعة وقراءة الصحف والمجلات الشرقية ، لا سيما المصرية منها .
تابع دراسته في كلية ابن يوسف بمراكش ، ثم التحق بعد ذلك بجامعة محمد الخامس في أول نشأتها بالرباط ، ثم بجامعة الجيزة بالقاهرة ، حيث سيحصل على دكتوراه الدولة في الآداب عام 1969 من جامعة القاهرة بمصر . وبعد عودته إلى المغرب ، أصبح من أوائل الذين اضطلعوا بالبحث العلمي إلى جانب التدريس الجامعي ، وذلك منذ البوادر الأولى للنهضة التي عرفها المغرب في عهد الاستقلال .. فكان من المؤسسين لشعبة الآداب بالجامعة المغربية ، إلى جانب أستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري حفظه الله . تنوعت اهتماماته ، فشملت جولات عميقة في تراث وأدب الأندلس ، فكان باحثا دقيقا ومحققا للنصوص الغميسة العريقة ، والمباحث الشائكة الدقيقة ، ينكب عليها ويفك غوامض قضاياها ومشكلاتها ، فحظي عنده تراث الأندلس بفائق العناية وراتق الرعاية ، ملك منه العنان ، ونافس به المعتنين من الأحزان . وتأسيسا على ما سبق ، نجد سيدي محمد بنشريفة يقتحم مجال البحث العلمي في تميز دقيق بين ما هو أصيل ودخيل .. فتناول الكثير من الموضوعات البكر ، والتي لم يلتفت إليها أحد فنبش ونقب ودأب على البحث ، فأتقن وأجاد وأفاد . عني أستاذنا بما هو مدرسي من تراث الآباء والأجداد ، وما هو صادر عن " العوام " وما تناقلوا من " أمثال " تداولوها على مر الأعوام ، فحقق " الزمان والمكان " لابن الزبير الثقفي وأجزاء من " الذيل والتكملة " لابن عبد الملك المراكشي ، وأخرى من " ترتيب المدارك " للقاضي عياض اليحصبي ، وأخرج " نوازله " و " تعريف " ولده به ، و"روضة الأديب " للشريشي في " التفضيل بين أبي الطيب وحبيب " و" طرافة الظريف" للملزوزي في " أهل الجزيرة وطريف " . كما عرف بأسرتي " بني عشرة " و " بني زهر".. وترجم لأحمد بابا التمبكتي ، وللإبراهيمي " الكانمي " و " الساحلي " ، و " عبدالله بن قاسم الثغري ، و" أبي زيد عبد الرحمان سقين السفياني القصري "و" أبي عبد الله الغرناطي المنتوري " .. وأفرد بدراسة موسعة ، أبا بكر " ابن مغاور الشاطبي " و"أبا المطرف أحمد بن عميرة المخزومي ، وأظهر" تنبيهاته "، وسجل سيرة " ابن عبد ربه الحفيد " و " البسطي " محللا شعره ومحتوياته ، ونشر " مظهر النور " لابن فركون ، وكذا " ديوانه " و " ملعبة كفيف زرهون " ..إلى غير ذلك من الأبحاث والمؤلفات الرصينة التي تدل على أن الرجل اضطلع ونهض محتفيا بموضوعاته ، ينتقيها ويتخيرها ، ويغنيها بما له من كفاية ونفاذ ومضاء . فإصداراته كثيرة ومتعددة ، تعلقت بها همته ، فغذا أنموذجا للباحث العالم الرصين المنسجم مع فكره ووتيرته . كل هذا وغيره ، أهله ليحظى بتشريف المغفور له الحسن الثاني بعضوية الأكاديمية الملكية وعضو منتخب في المجامع السورية والمصرية والأردنية .. كما أن أستاذنا قد توج بإحرازه جائزة الملك فيصل السعودية ، وجائزة الاستحقاق المغربية ، دون أن ننسى أنه عين قيدوما بكلية الآداب بوجدة ومحافظا لمكتبة القرويين ، وللخزانة العامة بالرباط . لهذا ، ينبغي أن نهنئ أنفسنا نحن ابناء مدينة أسفي بأديب كبير ، وباحث مستنير ، مثل الأستاذ الدكتور سيدي محمد بنشريفة أطال الله في عمره ، وألبسه رداء الصحة والعافية . والمناسبة شرط كما يقال ، وتتمثل في دعوة جامعة القاضي عياض للاحتفاء بهذا الرجل وتكريمه . ففي ذلك تكريم للفكر الإنساني الخلاق في جميع اتجاهاته.. وهو تكريم يعطي الفكر قيمة حضارية ، كما أن تكريم العلماء والأدباء والمبدعين والمخلصين في عملهم ، واجب وطني يدلل على وعي كبير . إننا بحق أمام عالم كبير ، لا توفيه مثل هذه المقالة حقه في إلقاء الضوء على شخصيته العالمة : كرموهم لا للثراء ولا المجد ... ولكن للفكر والإحســــــــاس وإذ ننسى ، لا ننسى يوم تم تكريم أستاذنا من طرف المجلس البلدي بأسفي عام 1988 في الحفل الاختتامي لأشغال الملتقى الفكري الأول بأسفي ، حيث ألقيت عدة كلمات أشاد فيها أصحابها بقيمة الرجل العلمية وأخلاقه الحميدة ونشاطه العلمي المتميز ، والجهود الحثيثة التي يبذلها من أجل خدمة تراثنا العربي في المغرب والأندلس . لا أريد أن أختم هذه الإشارات المجملة عن أستاذنا الجليل ، وهي مجرد محطات في حياته الغنية الحافلة ، من غير أن أذكر ما يجمعني بأستاذي .. فقد عرفته منذ أن التحقت بكلية الآداب بالرباط عام 1975 ، حين علمت بأن أحد أبناء أسفي يدرس مادة الأدب الأندلسي ، فلزمت محاضراته بكل شوق وشغف ، فأحببت تلك المحاضرات ، حيث ألفيتها غنية ، فالتأم لدي الأمر واستقام ، واتسق في اكتمال وانتظام . وهكذا ، تاقت نفسي للتعرف إليه تشوفا وتشوقا ، وبدأت أقرأ بعض مؤلفاته ، فزادني إلى استقصائها تعلقا وتعشقا ، إذ وجدت فيها ما كنت به مشغوفا ومنهوما أو ملهوفا ومهموما .. حرصت بعد ذلك على ملازمته .. فكان خير مرشد ومعين لي ، فقد حبب إلي الدرس الأدبي الأندلسي والمغربي ، ولا عيب إن كنت نهلت من معين أدبه وعلمه .. فهو حفظه الله ، من الذين قووا عزيمتي وشحذوا نيتي ، وأعلوا همتي ، فأنا على إثرهم سائر ، وعلى نهجهم سالك . وقديما قيل : " إن المرء تكرم شمائله وخصاله ، إذا كرم حمله وفصاله . " | التوقيع | أيها المساء ...كم أنت هادئ | |
| |