2015-03-01, 00:25
|
رقم المشاركة : 6 |
إحصائية
العضو | | | رد: المحاضرة الكاملة لعبد الله العروي حول "المواطنة والمساهمة والمجاورة" | suite et fin
الجانب الثالث تكوّني/ جينيالوجي: ما هي ظروف نشأة الفرد المؤهل للمواطنة؟ المنظر السياسي الكلاسيكي أقرب إلى فقيه قانوني منه إلى المؤرخ، كما هو واضح في كتابات هوبز وسبينوزا، يستهل تحليلاته بتعريف مفاهيم، وليس برصد حالات واقعية. ينطلق من نقطة معينة، ولا يعود إلى ما قبلها إلا نادرا. فالسياسة عند هؤلاء لا تبدأ في حياة البشرية إلا عندما يعي المرء أنه حرّ مستقل. فبالنسبة إلى البشرية جمعاء، يعتبر ما سميته بالفطام بمثابة سن الرشد بالنسبة إلى الفرنسي. الجانب الرابع أخلاقي. لا يوجد مفكر كبير اهتم بالسياسة وأهمل التربية؛ أي إن هؤلاء المحللين كلهم ربطوا المواطنة بالفضيلة. لا يمكن أن تكون المواطنة مع الدناءة والخسة. كل تحليل يدور حول العقل والحرية والعدل والمصلحة، إلخ، يفترض في الفرد الفضيلة والاستقامة والصدق والأمانة. هذا ما ألمح إليه «كانط» في تعليقاته على كتابات «هوبز». وعي الإنسان بإنسانيته، الطفرة من العنف والتقاتل على حساب التعايش والمسالمة هو في آن واحد مفهوم نفساني وأخلاقي. وعي بالذات ووعي بالواجب. لا انفصام أبدا بين الحرية والتعقل، ولا مواطنة مع الدناءة والكذب والخيانة. هذه الخصال مطلوبة في كل حال: في إطار الأسرة، والحرفة، والقبيلة، فأحرى أن تكون ضرورية لاستمرار الدولة، التي هي النظام الأسمى. الجانب الخامس والأخير سياسي. قلنا إن روسو حول مفاهيم الثيولوجيا إلى مفاهيم سياسية. لكن خصومه الذين عاشوا مآسي الدولة الفرنسية قلبوا بدورهم مفاهيمهم دون أن يعودوا إلى تأثير أنماط التفكير القديمة. هذه العملية الثنائية هي التي عرفها هيغل بالديالكتيك. اللحظة الثيولوجية هي عندما يتصور الإنسان الكمال في فكرة متعالية. اللحظة السياسية هي تجسيد الصورة المثالية في العقل البشري. اللحظة التوفيقية التجانسية هي التي تتوحد فيها الإرادة البشرية والمشيئة الربانية. اللحظة التالية لم تتبلور إلا عند هيكل. فتظل اللحظتان، الأولى والثانية، متقابلتين متنافرتين، على مستوى الأصول، لا مستوى التدابير الإجرائية. ولا يبدو أن الصراع القائم بين الموقفين ينتهي عن قريب، ما دام مستعرا في قلب البشر. حتى من يتحاشى التوسع في الموضوع، كما فعلنا، ويطالب فقط برفع كل أنواع الحيف، لكي يعم المفهوم، ويصبح كل مواطن مجاور مواطنا مساهما في المؤسسة الجماعية، يصطدم، عاجلا أم آجلا، باعتراضات قوية: اجتماعية (عدم الكفاءة)، تاريخية (الخصوصية الثقافية)، أخلاقية (الرشوة)، وأخيرا وليس آخرا، عقائدية. لا حرية بدون وفاء. لا حق بدون وعي. | آخر تعديل express-1 يوم 2015-03-01 في 14:33. |
| |