الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات الــــتــــربـــــويــــة الــــعــــــامــــة > منتدى أصناف وقواعد وأصول التربية > التربية الإسلامية


التربية الإسلامية كل ما يتعلق بالتربية الإسلامية التي رسمها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2014-09-20, 21:22 رقم المشاركة : 6
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: لماذا سمي الرسول عليه الصلاة والسلام ’’النبي الأمي’’ ؟؟؟


النبي الأمي: حقيقة المعنى السائد وإعجاز القرآن

جمال السيد درة


أكثر صعوبةً من محاولة إصلاح مفاهيم أصبحت تعدّ بدهيّةً وسائدةً، ومنها مفهوم الأمية، التي تعني حسب التعريف السائد عدم القدرة على قراءة وكتابة جمل بسيطة في أية لغة. وتطور استخدام هذه الكلمة، ليعطي تصورا ذهنيا معيبا ومهينا للأشخاص الذين اتُّصِفوا بها، أكبر من كونهم لا يعرفون القراءة في كتاب، وباتوا يُتهمون بالجهل أيضا، وأضيف ذلك المعنى في المعاجم الحديثةِ صراحةً، فقالوا : "الأميةُ: مؤنث الأمي، معناه : الغفلةُ أو الجهالة"، وذلك على أساسِ الفهم القاصرِ بأن القراءة من الكتبِ هي الرافدُ الوحيدُ للمعرفة، فنفوا بذلك عن المتصفين بتلك الصفة أي علم و أية حكمة، ثم تجاوز الاستخدام الأفراد إلى أن أصبحت شعوب بكاملها توصف بأنها أمية جاهلة.
ومع أن اختراع الكتابة وتطورها أسهم في بناء الحضارات الإنسانية الأولى، وأسهم في تدوين المعارف والأفكار بأنواعها والحفاظ عليها، وساعد على سرعة انتقالها إلى مراكز جغرافية أخرى، وأن تعلم الكتابة والقراءة والتشجيع عليها يعد أمراً في غاية الأهمية بالنسبة للفرد والمجتمع؛ إلا أن الفضل الأول يرجع لأصاحب الأفكار والحكماء؛ لأن الكتابة ليست فكرا ولا حكمة بذاتها، ولكنها وسيلة من وسائل النقل والحفظ فقط، فمن الممكن أن يكون من هؤلاء العارفين والحكماء العظام من لا يقرأون كتابا ولا يكتبون، بل ويمكن أن يكونوا عميانا غير مبصرين، ولكن حكمتهم ومعارفهم أسهمت في إضاءة الطريق للآخرين، أكثر بكثير من الذين يقرأون ويكتبون بلغات مختلفة.
و بعد أن طال المفهوم الخاطئ لمعنى (الأمي) الرسول محمدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وبعد أن استَخدم المشككون ذلك المفهومِ في محاولاتٍ كثيرةٍ للنيلِ منه، تصدى كثير من الباحثين والمفكرين المسلمين لتلك الهجمة وانبروا للدفاع عن النبي، ولكن كانت ردودهم عامة يغلب عليها العاطفة، ولم نجد تدقيقا موضوعيا في أصل الكلمة واستخداماتها في كتب الأولين قبل مبعث الرسول، ووجدنا أن المفسرين أنفسهم هم من ساعد على فهم وانتشار هذا المفهوم السائد، بعد أن أقره الأوائل منهم وتداولته كتابات الناقلين عنهم، وردده الخطباء على المنابر ولاكته ألسنة العامة جيلا بعد جيل، وأصبح الدعاء المحبب لكثيرين: "اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم"، بلا تدبر للمعنى الحقيقي للأمي.
فإذا كان النبي الأمي تعني النبي الذي لا يقرأ ولا يكتب، والتي تعد نقصاً حسب المفهوم السائد للكلمة، فلماذا نصر على تكرارها في الدعاء ولا نذكره بإحدى شمائله وأخلاقه الحميدة الأخرى؟ ولماذا استخدم القرآن الكريم هذا الوصف في قوله تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ } [الأعراف (157)]، وكأنه بيانٌ وتمييز له معنى معجز آخر غير المعنى السائد، ولا يمت إلى الكتابة والقراءة بصلة؟ هذا ما سنحاول بيانه في بحثنا هذا، مع بيان مدى الدقة اللغوية والإعجاز في اختيار كلمة (الأمي) للتعريف بالنبي و(الأميين) للتعريف بالقوم المبعوث فيهم.
بالبحث في الموروث الثقافي العربي المتواتر بطرقه المعروفة والمتعددة، لم نجد ما يشير إلى تداول كلمة أمي بمفهومها السائد الآن في أي نص من النصوص الأدبية القديمة.
ولم تكن تلك الكلمة متداولة على عهد الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا المعنى، وفي الحديث أن سيدنا جبريل، عندما قال للرسول: (اقرأ)، أجابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ما أنا بقارئ). الآن عندما تسأل أي شخص هل تعرف القراءة والكتابة؟ فسيجيبك بالنفي أو الإثبات، ولن تجد أحدا يجيبك: أنا أمي، وهذا الموروث الشفوي المتوارث عند العرب يتماشى مع المعنى نفسه في اللغات الأخرى، المشتق من عدم معرفة حروف الهجاء التي ليس لها علاقة مع كلمة أم ؛ ففي الإنجليزية يستخدمون كلمة (Illiteracy ) والمشتقة من حروف الكتابة وليس من أم (mother)، وكذلك في الفرنسية (L'analphabetisme)، والألمانية (unwissenheit) وغيرها.
وإنما ساد استخدام هذه الكلمة بهذا المعنى بعد ورودها في كتب التفسير كأحد المعاني المقصودة من قوله تعالى:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ } [الأعراف (157)]، وفهموا من الآية أنه الرسول النبي الذي لا يقرأ ولا يكتب.
يقول السعدي في تفسيره للآية: { ووصفه بالأمي، لأنه من العرب الأمة الأمية التي لا تقرأ ولا تكتب، وليس عندها قبل القرآن كتاب، ويؤكد ابن كثير ذلك فيقول في سياق تفسيره للآية: (وهذه صفة محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في كتب الأنبياء، بشروا أممهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم).
وقال القرطبي : قوله تعالى "الأمي" هو منسوب إلى الأمة الأمية، التي هي على أصل ولادتها، لم تتعلم الكتابة ولا القراءة، وذكر النحاس أنه نسبة إلى مكة أم القرى، وذكر البغوي: أي هو على ما ولدته أمه، وقيل: هو منسوب لأمته، أصله (أمتي) فسقطت التاء في النسبة كما سقطت في المكي والمدني (أي أصلها مكية ومدنية)، وقيل هو منسوب إلى أم القرى، وهي مكة.
والأُمِّي: الذي لا يَكْتُبُ، قال الزجاج: " الأُمِّيُّ الذي على خِلْقَة الأُمَّةِ لم يَتَعَلَّم الكِتاب، فهو على جِبِلَّتِه، وفي التنزيل العزيز: "ومنهم أُمِّيُّون لا يَعلَمون الكتابَ إلاّ أَمَانِيَّ"، قال أَبو إسحق: "معنى الأُمِّيّ المَنْسُوب إلى ما عليه جَبَلَتْه أُمُّه؛ أي لا يَكتبُ فهو في أَنه لا يَكتب أُمِّيٌّ؛ لأن الكِتابة هي مُكْتسَبَةٌ، فكأَنه نُسِب إلى ما يُولد عليه؛ أي على ما وَلَدَته عليه أمُّه".
وعندما وصفت الأمة كلها بالأمية، زاد الأمر التباسا عند المفسرين، قال تعالى: "الذي بعث في الأميين رسولا منهم "، فكيف ذلك والرسول بعث وسط العرب الذين اشتهروا بالبلاغة والفصاحة؟ وفي مكة مكان البيت الحرام، والتي كانت مركز تجارتهم وأنديتهم وملتقاهم الثقافي والحضاري الأهم وكان من بينهم الكثيرون من الذين يقرأون ويكتبون؟ ولعل المعلقات الشعرية الشهيرة والأحلاف المكتوبة دليل بسيط على ذلك، وربما لو قارنا نسبة الذين يقرأون ويكتبون من تلك الأمة لزادت على مثيلاتها في الأمم المعاصرة لها شرقا وغربا، بالإضافة إلى أن الرسول بعث للناس كافة وليس لقريش أو العرب فقط، ليس كغيره من الأنبياء الذين بعث كل منهم لقومه فقط، فكيف نفهم أن الناس كافة أميون بالمعنى السائد؟
أما من ناحية دقة القرآن وإعجازه اللغوي، فإننا نجد نماذج متعددة تبين الدقة المتناهية في اختيار التعابير واستخدام الألفاظ المحكمة الدلالة؛ فعندما يصف القرآن قوما بأنهم قوم سوء، لا بد أن يكون القوم جميعهم قوم سوء، كقوله تعالى : "وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ" [الأنبياء (77)] فالآية تخبرنا بأنهم قوم سوء بلا استثناء، وتفيد بهلاكهم أجمعين بالغرق، وقوله أيضا: "وقَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ" [الذاريات (32)]، وهنا أيضا القوم المجرمون تدل على عموم صفة الإجرام بين هؤلاء القوم، فإذا كان هناك استثناء يحتاج إلى بيان نجد أن القرآن يوضح ذلك كقوله تعالى: "فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". [الذاريات (36)] وقوله أيضا: "فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ" [الأعراف (83)].
ويقاس على ذلك أن القرآن إذا وصف الأمة التي بعث منها الرسول بالأميين؛ فلا بد أن يكونوا جميعا متصفين بالأمية على الإجمال وبدون استثناء، ونحن نعرف يقينا أن كتبة الوحي من الصحابة وغيرهم نماذج من أمته، فإذا كانت صفة الأميين تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة كما هو سائد الآن، لأخبرنا القرآن بأن قوم محمد أميون إلا قلة تقرأ وتكتب، ولكن القرآن شملهم جميعا بصفة الأميين.
ونستنتج من ذلك أنه من المستبعد أن يكون المقصود من قوله تعالى النبي الأمي، أنه النبي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وكذلك من المستبعد أيضا أن الأميين تعني الذين لا يقرأون ولا يكتبون.
و يكون المعنى أكثر وضوحا ً بتدبر قول الله تعالى: "فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" [آل عمران (20)]، فقد قسمت الآية الناس إلى قسمين الأول (الذين أوتوا الكتاب)، والقسم الثاني (الأميين)؛ أي أن الأميين هم : (من هم غير الذين أوتوا الكتاب). واستخدم علماء بني إسرائيل هذا التعبير قبل نزول القرآن بقرون، وكانت النظرة اليهودية، ولا زالت تميّز اليهود عن الأغيار، فكثيرون اعتبروا أن ما جاء في سفر (أشعياء- إصحاح 61\5-6): "ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم. أما أنتم فتدعون كهنة الرب تسمون خدام إلهنا، تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتأمرون"، اعتبروا أنفسهم فقط خدام الله وغيرهم سخرهم الله لخدمتهم، وذلك حسب قولهم، وكرسوا هذا التقسيم في كل شرائعهم بعد ذلك، والذي ساعدهم على ذلك هو ميراثهم للكتاب وانفرادهم بعبادة الله واختصاصهم برسالته فترة طويلة ومجاورتهم لأمم وثنية متعددة في ذلك الوقت، ولكنهم لم يقبلوا أي جديد، ولم يعوا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء منهم أو من غيرهم.
فقد تحدث التلمود عن الفرق بين اليهودي وغير اليهودي، فيذكر أن الإسرائيلي معتبر عند الله أكثر من الملائكة، وأن اليهودي جزء من الله، فإذا ضرب أممي إسرائيليا، فكأنه ضرب العزة الإلهية، وعلى الأمميين أن يعملوا ولليهود أن يأخذوا نتاج هذا العمل، وأن الله لا يغفر ذنبا ليهودي يرد للأممي ماله المفقود.
ونحن هنا لا نعلق على النصوص من الناحية الدينية، ولكننا نستخدم النصوص لنشير إلى الاستخدام الشائع لتعبيرالأمميين بين علماء بني إسرائيل والمدون في كتبهم المقدسة المتوارثة للإشارة إلى الأمم الأخرى من غير اليهود من قبل أن ينزل القرآن بقرون وحتى الآن.
يقول موريس صمويل في كتابه (أنتم أيها الأمميون) إن الفجوة بين اليهود والأمميين لا يمكن أن تسد أبدا، ويقول أيضاً: "ومهما فعلتم (أيها الأمميون) فلن يلبي ذلك حاجاتنا ومطالبنا"، وتجد أيضاً: العميان والأغبياء والذين في الظلمة كان يقصد بهم الأممين، وكان اليهود تستهويهم الألقاب".
وفي شرح العهد الجديد تفسير الرسالة إلى أهل رومية الإصحاح الثاني: "فالمسيحي الذي بلا حياة هو شر من الأممي واليهودي (عب1:2-3 + عب26:10-32 )، وبولس بدأ بالأمم، حتى لا يتهمه اليهود بالخيانة لشعبه، وستأتيكم ثروات الأمميين، وسيبني أبناء الغرباء جدرانكم وسيحكمكم ملوكهم، وسترضعون لبن الأمميين، وستنعمون في مجدهم..).
وفي نص آخر: "ولكن بولس حين قال إن الله سيعامل اليهودي كما الأممي، وأن الكل واحد أمام الله، تصوَّر أن اليهود في ثورتهم سيتساءلون: ألم يكرم الله اليهود ويعطيهم الختان كعلامة عضوية (تث29:33 + خر5:19 + أش8:41). وفي موضع آخر: "والناموس أسماه الكتاب أقوال حيَّة (أع38:7)، والكتاب بلغتهم والأنبياء منهم، إذًن، إن كان الله سيعامل اليهودي كالأممي، فلماذا الناموس؟ وفي شرح آية أخرى : إذا كان الأممي قادرًا على أن يرضي الله إن عمل أعمالًا صالحة وذلك بواسطة الناموس الطبيعي المُعطَى له. وما دام الكل قد سقط في الدينونة، سواء أمم (بمخالفتهم الناموس الطبيعي) أو يهود (بمخالفتهم لناموس موسى) فما فائدة الختان؟ أو ماذا يميز اليهود؟
وفي شرح آية أخرى: "أول مزايا اليهود أن الله استأمنهم على أقواله، إذًا هم كانوا أفضل من الأمم أمام الله؛ فالله لم يكن ليستأمن أحدا على أقواله إن لم يكن جديرًا بذلك. وكان اليهود هم أول من يستأمنهم الله على كلامه."
وفي آية أخرى، "هوذا أنت تسمي يهوديًا= كان اسم يهودي يثير عند صاحبه الكبرياء؛ فهم يظنون في أنفسهم أنهم أفضل من باقي الناس، محبوبون عند الله، مكرمون؛ لذلك كانوا يصلون: "اللهم أشكرك أنك لم تخلقني أمميًا ولا امرأة ولا عبدًا"، فهو يشعر أنه فوق العالم.
وفي تفسير أعمال الرسل 10 - تفسير سفر أعمال الرسل الأصحاح العاشر - تفاسير العهد الجديد" تحقيق هذا الأمر فيه صعوبة، فقد حرم الناموس الاختلاط بالأممين مهما كان سلوكهم كان لابد من أمر إلهي يصدر للرسل... وفي كتاب (تأملات في سفر يونان النبي) للبابا شنوده الثالث الفصل السادس بعنوان " البحارة أُمَميّون كانوا أفضل من نبي".
ومما سبق، يتضح لنا أن اليهود استخدموا تعبير (الأممين) وكانوا يتعاملون معهم معاملة مختلفة على أساس أنهم ليسوا أهل كتاب،؛ فكل من ينتمي إلى أمة غير اليهود، يعتبر من الأغيار أو من الأممين، أو الأميين ويتم معاملتهم بطريقة مختلفة.
فالتجارة بين طرفين أحدهم يهودي والآخر أممي تختلف عن التجارة بين طرفين كلاهما يهودي.
وتذكر دائرة المعارف اليهودية أن التفسير (الرباني) للفقرة (31) من حزقيال (34) والقائل: (وأنتم يا قطيعي، قطيع مرعاي، أنتم الآدميون) يعني أن اليهود فقط هم الآدميون. وهذا التفسير يضع الأمميين في منزلة دون منزلة الآدميين: ولا يحق للآدميين الادعاء بشيء أمام محكمة اليهود المدنية. تقول دائرة المعارف اليهودية: (وبالتالي فالأمميون مستثنون من القوانين المدنية الموسوية العامة) وتنص (المشنا) (مجموعة القوانين المشكلة لأساس التلمود) على أنه إذا ادعى أممي على إسرائيلي يصدر الحكم لصالح المدعى عليه. أما إذا كان المدعي إسرائيلياً ضد أممي، يأخذ الإسرائيلي تعويضاً كاملاً. وهذا تصديق لقول الله تعالى: "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" [آل عمران (75)].
فقولهم ليس علينا في الأميين سبيل لا يمكن أن تفهم بأنها تعني ليس لنا على من لا يعرف القراءة والكتابة سبيل، أو ليس لنا على العرب سبيل؛ لأنهم كانوا يتعاملون مع أمم كثيرة غير العرب، وكان ينطبق عليهم المعاملة نفسها كالحثيين والآموريين والكنعانيين والفرس والروم، ولكن المعنى الذي يشمل كل هؤلاء : ليس علينا في غير أهل الكتاب سبيل؛ أي ليس علينا في غيرنا سبيل، والعرب سموا من هم غير العرب عجم، وذكر القرآن الكريم هذا المعنى في أكثر من موضع، قال تعالى: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ" [النحل (103)]، وقال أيضا "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" [فصلت (44)].
وفي لسان العرب: "العُجْمُ والعَجَمُ: خِلافُ العُرْبِ والعَرَبِ، يقال عَجَمِيٌّ وجمعه عَجَمٌ، وخلافه عَرَبيّ وجمعه عَرَبٌ، قال: سَلُّومُ، لو أَصْبَحْتِ وَسْطَ الأعْجَمِ في الرُّومِ أَو فارِسَ، أَو في الدَّيْلَمِ، إذاً لَزُرناكِ ولو بسُلَّمِ".
واستخدام القرآن الكريم كلمة (أميين) هو تعبير معجز يؤكد للمشككين، بأن القرآن نزل من عند الله تعالى، بدليل أن هذا التعبير المتعارف عليه بين أهل الكتاب لم يكن معروفا للنبي ولا لقومه ولا للمفسرين في القرون الأولى للإسلام.
* وبتدبر قول الله تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" [الجمعة (2)] نصل إلى المفهوم العام والأشمل بأن الرسول بعث للعالم أجمع وإلى الأميين بأجناسهم المختلفة، وكان اليهود ينتظرون أن يبعث النبي منهم، ويتفاخرون على العرب وغيرهم بأنهم سيسودون به عليهم، ولكن بعثه الله من غيرهم؛ أي من الأميين، ولم يعجبهم ذلك، ولم يؤمنوا. قال تعالى: "وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ" [البقرة (89)].
وبين لنا القرآن بأن الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ـ أي من غير أهل الكتاب ـ للدلالة على أنه النبي الخاتم، فلا تنتظروا نبيا بعده من عندكم، وأنه هو المذكور في التوراة والإنجيل، فمن آمن به واتبع النور الذي أنزل معه فقد أفلح، قال تعالى: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [الأعراف (157)].
وهذا ما أكدت عليه الآية أن محمدا رسول الله للناس جميعا، "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" [الأعراف (158)]، ويؤكد على وصف رسوله بالأمي مرة أخرى على أنه من غير أهل الكتاب فلا تنتظروا وسارعوا إلى الإيمان به.
ومن هنا ندعو القائمين على إصدار المعاجم والقائمين على إعداد الكتب المدرسية، لاستدراك هذا المفهوم المتوارث، والبحث عن مصطلح آخر يصف من لا يعرف الحروف الأبجدية، مثل اللغات الأخرى.
نهيب بوسائل الإعلام وخطباء المساجد والباحثين في بيان المعنى الحقيقي للأمي، وإلى أي مدى وصلت دقة اختيار الألفاظ في القرآن الكريم.
والله من وراء القصد، وهو يهدي إلى سواء السبيل.
المراجع:
  • -لسان العرب لابن منظور.
    -أحمد شلبي مقارنة الأديان ص 268و269
    -شرح الكتاب المقدس ـ العهد الجديد ـ القس أنطونيوس فكري - الرسالة إلى أهل رومية 2 - تفسير رسالة رومية
    -الموقع الرسمي لكنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية اﻹسكندرية، مصر
    -تفاسير القرآن الكريم.





آخر تعديل بالتوفيق يوم 2014-09-20 في 21:34.
    رد مع اقتباس
قديم 2014-09-20, 21:32 رقم المشاركة : 7
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: لماذا سمي الرسول عليه الصلاة والسلام ’’النبي الأمي’’ ؟؟؟


مجلة البحوث الإسلامية
العدد 45
1416 هــ

الأمية في المنظور الإسلامي

بقلم : مصطفى بن عيد الصياصنة




كثيرة هي المفاهيم التي تحتاج اليوم إلى تصويب .

قال الإمام الطبري - رحمه الله - : ( لا يُعلَمُ من رسول وصف هذه الصفة - أعني الأمي - غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم) .

وقد فسر الإمام الشوكاني المراد بـ النبي الأمي في هذه الآيات فقال : ( والأمي : إما نسبة إلى الأمة التي لا تكتب ولا تحسب وهم العرب ، أو نسبة إلى الأم ، والمعنى أنه باق على حالته التي ولد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ، وقيل : نسبة إلى أم القرى وهي مكة ) .
وفي موضع آخر من تفسيره قال : ( أخرج ابن أبي حاتم عن النخعي في قوله : النبي الأمي قال : كان لا يقرأ ولا يكتب ، وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : ( هو نبيكم - صلى الله عليه وسلم - كان أمياً لا يكتب


ومن هذه المفاهيم الكثيرة : مفهوم الأمية .
فلو أن مسلماً وقف اليوم قائلاً : ( نحن - أمة الإسلام - أمة أمية ) ، لأفزع مثل هذا القول منه كثيرين ، وقد تأخذ العصبية بعضهم ، فيرفعون عقيرتهم في وجهه صائحين :
أوَ يقولُ مثل هذا الكلام - اليوم - عاقل ؟
أوَ بقي - ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين - من تسمح له نفسه ، أن يتلفظ بمثل هذه الكلمات ؟ !! يحارب الإسلام ( الأمية ) بكل صورها وأشكالها ؟ !! .
أوَ لم يسع المسلمون - ولا يزالون - إلى القضاء على مثل هذه الآفة ، بمختلف الوسائل والأساليب ؟ ونحن بدورنا نقول لمثل هؤلاء الثائرين الغاضبين :
نعم ، وألف نعم .
إن الإسلام حارب الأمية - الأمية التي بمعنى الجهالة - ولا يزال وليس هناك في الدنيا عاقلٌ - لديه أدنى ذرة من عقل - يجرؤ على إنكار شيء من ذلك .
أسمعتم - ذات يوم - مسلماً يقول : دعونا نرسف في أغلال الجهالة ، ونعب من أوحال التخلف ، فنحن نرفض العلم ، ونأبى الحضارة ، ونمقت شموس المعرفة والثقافة .
إننا لن نختلف على شيء من ذلك ، ولا يمكن لمثل هذا أن يكون . . ولكن . .
لكن . . على رسلكم أيها القوم . .
لقد ظلمتم ( الأمية ) حين جعلتموها لا تعني سوى الجهالة والغفلة والتخلف .
حين صورتموها للناس غولاً بشعاً ، وسرطاناً قاتلاً ، وداءً فتاكاً ، يشل حركة الفرد ويعطل مسيرة الأمة عن سلوك مدارج التقدم والمدنية والرقي .
حين حجّمتم مفهوم العبارة ، وقزمتم مدلولها ، بل وألزمتموها أن تلبس ثوباً واحداً ، هو الثوب الذي فرضتموه عليها ، وأجبرتموها أن تزهد في بقية ما لها من الأثواب الجميلة القشيبة البراقة .
لقد أخذتم بهذا المفهوم الضيق الضحل ، ووقفتم عنده لا تتجاوزونه ، وضربتم بكل ما لهذه الكلمة من مدلولات أخرى يزخر بها كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولغة العرب عرض الحائط ، غير آبهين بواحد منها على الإطلاق .
هلا أتيتم معنا إلى كتاب الله تعالى ، وإلى أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، وإلى كتب الأصول ، لنرى ما لهذه العبارة ، وما عليها ، فنحدد الرؤية ، ونستوضح المفهوم ، ونستبين الصواب . ؟
من أجل هذا كله ، كانت لنا هذه الوقفة ، إضاءة بسيطة متواضعة ، على طريق توضيح الرؤية ، وجلاء الصورة ، وإزالة بعض ما علق بمرآة الحق والصواب ، من غبش وقتام وغبار ، بعيداً عن كل أساليب المبالغة ، وطرق التهويش ، غير عابئين - إن شاء الله تعالى - بِلَغَطِ العابثين ، وصولة الحمقى ، وزعيق جحافل لبلاب العلم وفلول المستهترين .



النبي الأمي :

وردت النصوص القرآنية الكريمة ، تصف نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بأنه ( النبي الأمي ) ، جاعلةً أميته - عليه الصلاة والسلام - دليلاً على صدق نبوته ، وشاهداً حياً لا جدال فيه ، على قوة المعجزة التي أجراها الله - تبارك وتعالى - على يديه ، ومبعث فخر واعتزاز له ولأمته - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة ، ويكفيه صدقاً وفخراً عليه الصلاة والسلام ، أنه - رغم كونه أمياً لا يكتب ولا يقرأ من كتاب - كان يتلو على الناس كتاب الله الكريم ، وبالنظم الذي أُنزل عليه ، دون تغيير أو تبديل ، دون زيادة أو نقص ، في حين أن أكثر الخطباء فحولة - من العرب - وأبلغهم فصاحة وبياناً ، كان إذا ارتجل خطبةً ، ثم أعادها ، زاد فيها ونقص ، وغيّر وبدّل ، وعجز عن أن يأتي بها - مرة ثانية - على نظمها الأول ، رغم كونها من إبداعه ونتاج فكره وجهده ، وكونه قارئاً مجيداً وكاتباً ، فجاء حفظ الله تعالى لنبيه الأمي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، من أن يقع في شيء من ذلك دليلاً آخر ناصعاً على صدقه في تبليغه ما أوحي إليه من ربه تبارك وتعالى .
قال تعالى :
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
(156)
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
.

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
.

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ
.

فهذه الآيات تصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه ( النبي الأمي ) ، وأن صفته هذه مذكورة في الكتب السماوية السالفة ، وأهل الكتاب يعرفونها فيه عن طريق كتبهم ، وقد بشرهم ببعثته أنبياؤهم ، وأمروهم بمتابعته والإيمان به ، وأن صفته هذه لم تزل في كتبهم ، يعرفها علماؤهم وأحبارهم .


قال الإمام الطبري - رحمه الله - : ( لا يُعلَمُ من رسول وصف بهذه الصفة - أعني الأمي - غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
وقد فسر الإمام الشوكاني المراد بـ النبي الأمي في هذه الآيات فقال : ( والأمي : إما نسبة إلى الأمة التي لا تكتب ولا تحسب وهم العرب ، أو نسبة إلى الأم ، والمعنى أنه باق على حالته التي ولد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ، وقيل : نسبة إلى أم القرى وهي مكة
وفي موضع آخر من تفسيره قال : ( أخرج ابن أبي حاتم عن النخعي في قوله : النبي الأمي قال : كان لا يقرأ ولا يكتب ، وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : ( هو نبيكم - صلى الله عليه وسلم - كان أمياً لا يكتب



وقال أبو السعود في تفسيره : ( هو الذي لم يمارس القراءة والكتابة ، ومع ذلك جمع علوم الأولين والآخرين ). وقد ورد في القرآن الكريم ما يبين المراد بأميته - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك في قوله تعالى : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ
فهذه الآية تبين أن المراد بـ النبي الأمي : الذي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب ، ولولا أميته - صلى الله عليه وسلم - لارتاب الجهلة بما أُنزل إليه ، ولقالوا : إنما أوتيه عن الكتب التي هو يقرؤها ، فلما كان أمياً لا
يقرأ ولا يكتب ، لم يكن هناك موضع ريبة ، ولا محل للشك أبداً بل صار إنكار من أنكر مجرد عناد وجحود ، بلا أدنى شبهة معقولة .
قال الطبري في تفسيرها : ما كنت يا محمد تقرأ من قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك ، ولم تكن تكتب بيمينك ، ولكن كنت أمياً .
ثم نقل عن ابن عباس قوله : كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أمياً ، لا يقرأ شيئاً ولا يكتب
وعن قتادة : كان نبي الله لا يقرأ كتاباً قبله ، ولا يخطه بيمينه ، كان أمياً ، والأمي الذي لا يكتب
وقال ابن كثير : ( قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمراً ، لا تقرأ كتاباً ولا تحسن الكتابة ، بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب ، وهكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دائماً إلى يوم الدين ، لا يحسن الكتابة ولا يخط سطراً ولا حرفاً بيده ، بل كان له كُتَّاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم
كما ورد في الحديث الصحيح ، ما يثبت أميته - صلى الله عليه وسلم - ، بمعنى : عدم قدرته على الكتابة ، أو القراءة من كتاب :
فعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يعتمر ، أرسل إلى أهل مكة ، يستأذنهم ليدخل مكة ، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال ، ولا يدخلها إلا بجلبَّان السلاح ، ولا يدعو منهم أحداً .
قال : فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب ، فكتب : هذا ما قاضى عليه محمدٌ رسول الله ، فقالوا : لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولتابعناك ، ولكن اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، فقال : أنا والله محمد بن عبد الله ، وأنا والله رسول الله ، قال : وكان لا يكتب قال : فقال لعلي : امح رسول الله ، فقال علي : والله لا أمحاه أبداً ، قال : فأرنيه ، قال : فأراه إياه ، فمحاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده
فقول الصحابي الجليل : ( وكان لا يكتب ) دليل على عدم معرفته - صلى الله عليه وسلم - لفن الكتابة ، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : أرنيه دليل على عدم تمكنه من قراءة ما كتب ، وإلا لكان بادر إلى محو العبارة التي يريد محوها ، من غير أن يطلب من علي - رضي الله عنه - أن يحدد له موضعها ، ويدله عليها .





يتبع






آخر تعديل بالتوفيق يوم 2014-09-20 في 21:51.
    رد مع اقتباس
قديم 2014-09-20, 22:00 رقم المشاركة : 8
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: لماذا سمي الرسول عليه الصلاة والسلام ’’النبي الأمي’’ ؟؟؟


تتمة 1 للمقال السابق:


وقد أجمعت الأمة سلفاً وخلفاً ، على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أمياً ، لا يحسن الكتابة ، ولا يقرأ من كتاب ، وكان ذلك معروفاً عنه - صلى الله عليه وسلم - بالعلم المستفيض في عصره ، بين قومه ، وبين غيرهم ممن جاورهم أو خالطهم وكان بعيداً عنهم ، بحيث يستحيل معه إنكار ذلك ، كما وكان ذلك معروفاً عنه - صلى الله عليه وسلم - ، لدى أهل الديانات الأخرى ، لما ذكرته لهم عنه كتبهم المتقدمة ، وأشاعه بينهم على مر العصور علماؤهم وأحبارهم .
ولكونه - صلى الله عليه وسلم - أمياً لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ، فقد ثبت أنه كان اتخذ لنفسه كتبة ، يكتبون بين يديه الوحي ، كما كانوا يكتبون له رسائله إلى الملوك وغيرهم .
ومن أشهر كتاب الوحي : الخلفاء الراشدون الأربعة ، وزيد بن ثابت ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، ومعاوية بن أبي سفيان ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
أما ما ذهب إليه بعض العلماء ، من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قد أحسن الكتابة أواخر حياته ، اعتماداً على الأثر الذي أخرجه ابن أبي شيبة ، ونصه : ( ما مات رسول الله حتى قرأ وكتب ) . فهو مذهب شاذ ممخرق ، لا يعضده دليل ، ولا تدعمه حجة ، ولا يسنده واقع حال .
ذلك أن هذا الأثر موضوع ، حكم عليه من العلماء الشوكاني والسيوطي والألباني بالوضع ، كما نقلوا قول الطبراني فيه : ( هذا حديث منكر ، أبو عقيل - رَاويهِ - ضعيف الحديث ، وهذا معارض لكتاب الله ).
وقال الحافظ ابن كثير فيه : ( وما أورده بعضهم من الحديث ، أنه لم يمت - صلى الله عليه وسلم - حتى تعلم الكتابة ، فضعيف لا أصل له
وقال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) عن الجمهور قولهم بضعفه.
وممن ذهب هذا المذهب الشاذ من العلماء : أبو الوليد الباجي ، وأبو ذر الهروي ، وأبو الفتح النيسابوري ، وآخرون من علماء إفريقية وفقهائها المتأخرين .
وبالإضافة إلى اعتمادهم هذا الأثر الموضوع ، في تقريرهم ما ذهبوا إليه ، فقد اعتمد بعضهم على ما ورد في صحيح البخاري ، عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، أنه قال : لما اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة ، فأبى عليه أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة ، حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام ، فلما كتبوا الكتاب ، كتبوا : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، قالوا : لا نقر لك بهذا ، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئاً ، ولكن أنت محمد بن عبد الله ، فقال : أنا رسول الله ، وأنا محمد بن عبد الله ، ثم قال لعلي : امح رسول الله ، قال علي : لا والله لا أمحوك أبداً ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب - وليس يحسن يكتب - فكتب : هذا ما قاضى محمد بن عبد الله ، لا يُدخل مكة إلا السيف في القراب
قالوا : هذا الحديث يدل ظاهره على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب الكتاب بيده الشريفة ، لما امتنع علي - رضي الله عنه - عن الكتابة . والصحيح أن هذا الحديث ليس على ظاهره كما قال الألباني بل هو من باب ( بنى الأمير المدينة ) أي : أمر ببنائها .
وقد نقل الحافظ في ( الفتح ) عن السهيلي قوله : ( والحق أن معنى قوله : ( فكتب ) أي : أمر علياً أن يكتب ) .
ثم وافقه الحافظ قائلاً : ( ويجاب عن قصة الحديبية ، بأن القصة واحدة ، والكاتب فيها علي ، وقد صرح في حديث المسوّر بأن علياً هو الذي كتب ، فيحمل على أن النكتة في قوله : ( فأخذ الكتاب - وليس يُحسن يكتب - فكتب ) لبيان أن قوله : ( أرني إياها ) أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها ، إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة ، وعلى أن قوله بعد ذلك : فكتب ) فيه حذف تقديره : فمحاها فأعادها لعلي فكتب ، وبهذا جزم ابن التين ، وأطلق ( كتب ) بمعنى : ( أمر بالكتابة ) ، وهو كثير ، كقوله : كتب إلى قيصر ، وكتب إلى كسرى ).
والذي يبدو أن بعض القائلين بإتقان النبي - صلى الله عليه وسلم - الكتابة ، إنما أراد أنه أتقنها للحظة واحدة ، وهي تلك اللحظة التي أمسك فيها بكتاب صلح الحديبية من علي ، ومحا وغير ، وأن ذلك إنما كان على سبيل جريان المعجزة الخارقة على يديه - عليه الصلاة والسلام - ، أو أنه إنما كتب اسمه فقط ، رغم كونه أمياً ، كعادة الكثير من الأميين ، الذين يعرفون رسم أسمائهم ، ولكن لو طلب إليهم أن يكتبوا غير ذلك لما استطاعوا ، فلا يخرجهم ذلك عن كونهم أميين ، لا يجيدون قراءة ولا كتابة .
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - :
( من زعم من متأخري الفقهاء ، كالقاضي أبي الوليد الباجي ومن تابعه ، أنه عليه السلام كتب يوم الحديبية : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري : ( ثم أخذ فكتب ) ، ولذا اشتد النكير من فقهاء المشرق والمغرب ، على من قال بقول الباجي ، وتبَّرءوا منه ، وأنشدوا في ذلك أقوالاً ، وخطبوا في محافلهم ، وإنما أراد الرجل - أعني الباجي فيما يظهر عنه - أنه كتب ذلك على وجه المعجزة ، لا أنه كان يحسن الكتابة ).
وقد روى الحافظ في الفتح قصة الباجي ، وما ذهب إليه ، وما كان له مع العلماء في زمنه ، بسبب ما قاله ، فقال :
( وقد تمسك بظاهر هذه الرواية - أي رواية البخاري - أبو الوليد الباجي ، فادعى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب بيده ، بعد أن لم يكن يحسن يكتب ، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ، ورموه بالزندقة ، وأن الذي قاله يخالف القرآن ، حتى قال قائلهم :
وقــــال إن رســــول اللــــه قــــد كتبــــا=بــــرئت ممــــن شــــرى دنيــــا بــــآخرة
فجمعهم الأمير ، فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة ، وقال للأمير : هذا لا ينافي القرآن ، بل يؤخذ من مفهوم القرآن ؛ لأنه قيّد النفي بما قبل ورود القرآن ، فقال الله تعالى : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ

وبعد أن تحققت أميته ، وتقررت بذلك معجزته ، وأمن الارتياب في ذلك ، لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك ، من غير تعليم ، فتكون معجزة أخرى ) .
ثم قال الحافظ مخففاً من شدة وطء الحملة على الباجي وجماعته : ( وعلى تقدير حمله - أي حديث البخاري - على ظاهره ، فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم - وهو لا يحسن الكتابة - أن يصير عالماً بالكتابة ، ويخرج من كونه أمياً ، فإن كثيراً ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ، ويحسن وضعها بيده ، وخصوصاً الأسماء ، ولا يخرج بذلك عن كونه أمياً ، ككثير من الملوك ، ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ - وهو لا يحسنها - فخرج المكتوب على وفق المراد ، فيكون معجزة أخرى ، في ذلك الوقت خاصة ، ولا يخرج بذلك عن كونه أمياً ، وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني ، وتبعه ابن الجوزي
ثم رد على السهيلي قوله ، بأن جريان الكتابة على يده - عليه الصلاة والسلام - في ذلك الوقت فقط ، يعارض القول بمعجزته - صلى الله عليه وسلم - ، المتمثلة في أميته :
( وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة ، تستلزم مناقضة المعجزة ، وتثبت كونه غير أمي نظرٌ كبير
قلت : وفيما ذهب إليه أصحاب هذا الاجتهاد تمحل واضح ، ووقوف متصلب عند ظاهر النص ، كان العلماء في غنى
عن الوقوف - طويلاً - عنده واللجوء إلى البحث عن مسالك لتأويله ، وتكلف الوجوه البعيدة لتوجيهه ، وخاصة : مع عدم وجود نص آخر يسنده أولاً ، بل ووجود رواية أخرى للحديث توضح ما أشكل في عبارة هذه الرواية ، التي جعلوها عمدة نقاشهم ومدار استنباطهم ، وهي عند البخاري أيضاً وعند غيره ، وبالسند الصحيح والدلالة الواضحة ثانياً ، هذا مع إجماع الأمة على القول بأميته - صلى الله عليه وسلم - ثالثاً ، فكان ذلك كله كافياً لحسم النقاش في المسألة ، وعدم التوسع في ولوج باب التأويل ، والاستفاضة في اختلاف الوجوه المتمحلة ، والتي نحن في غنى عن الانجرار إلى غمارها .


يتبع





آخر تعديل بالتوفيق يوم 2014-09-20 في 22:13.
    رد مع اقتباس
قديم 2014-09-20, 22:12 رقم المشاركة : 9
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: لماذا سمي الرسول عليه الصلاة والسلام ’’النبي الأمي’’ ؟؟؟


تتمة 2 للمقال السابق:


الآن ما الحكمة الكامنة وراء كونه - صلى الله عليه وسلم - بُعِثَ أمياً ، بهذه الرسالة الخاتمة ؟ إن هناك حكماً كثيرة ولا شك ، تبعثها الأجواء العامة ، التي تشعها النصوص المتحدثة عن أميته - صلى الله عليه وسلم - ، في نفس مستطلعها .
ونحن إن كنا لا نستطيع حصر هذه الإشعاعات ، فإن بإمكاننا أن نسجل ما برز - واضحاً جلياً - منها :


1 - المبالغة في توكيد ظاهرة جريان المعجزة على يديه - صلى الله عليه وسلم - ، فهو مع كونه رجلاً أمياً ، لا يجيد كتابة ، ولا يقرأ مكتوباً ، ولم يسبق له طيلة حياته أن قرأ كتاباً مسطوراً ، فقد جاء بما أعجز كافة العرب - بل كافة البشر أجمعين - عن أن يأتوا بشيء من مثل ما أتاهم به ، والمعجزة الباهرة لا تزال مستمرة شاخصة قائمة ، ومع استمرارها يستمر العجز البشري - حيالها - ماثلاً ، لا يتقدم - قيد أنملة - أو يتزحزح
إنه كلام الوحي المعجز - إلهياً كان أو نبوياً - فيه من الحكم البالغة ، وفيه من الإخبار عن الغيب ، والإنباء عما كان وسيكون ، وفيه من النظم والتوجيهات ، ما يشمل جميع نواحي حياة البشر ، بمختلف مشاربها وتوجهاتها ، بحيث لا يصلح لهم سواها ، ولا فلاح لهم إلا بها . وكل ذلك يأتي به رجل أمي - في مثل حال محمد - صلى الله عليه وسلم - - ما قرأ يوماً كتاباً ، ولا خط بيده سطراً ، ثم لا يكون ذلك في الذروة من شامخ المعجزات ؟ والقمة من ساطع الآيات الباهرات ؟


2 - موافقة ما ساقه ركب الأنبياء السابقين إلى أممهم ، من بشارات مَقْدمه - صلى الله عليه وسلم - ، رحمة عامة لكافة البشرية ، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى :الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ


فالأنبياء بشروا أممهم بمقدم محمد - عليه الصلاة والسلام - ، وذكروه لهم بأوصافه التي تميزه ، وأوضح هذه الأوصاف وأجلاها . أنه ( النبي الأمي ) .
3 - ليكون في أميته مشاكلاً لحال عامة قومه ، مماثلاً لغالب أفراد أمته ، الذين بعث فيهم ، وعندما يكون من جنسهم ومن جملتهم ، يكون أقرب إلى موافقتهم ، والالتصاق بهم ، والنفوذ إلى أعماق نفوسهم . قال تعالى : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ وهذا ما أفادته لفظة ( منهم ) في هذه الآية .


4 - لنفي سوء ظن مفاده : أنه تعلم ما جاء من الكتب التي
قرأها ، فلما كان أمياً ، لا يقرأ مسطوراً ولا يكتب سطراً ، فسد مثل هذا الظن ، وبطلت حجج مثيريه ، وسحبت جميع البسط ، من تحت أرجل المتشككين والمرجفين والمبطلين .
قال تعالى : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ .
ومع كل هذا ، فقد اتهموه - صلى الله عليه وسلم - باكتتاب ما يتلو عليهم ، وهم يعرفونه أمياً لا يعرف كتابة : وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا


أرأيت - بعد هذا - إلى سماجتهم وبجاحتهم وائتفاكاتهم ، إلى أي حد وصلت ، وأي مبلغ بلغت ؟ إنها الغواية ، التي إذا تغلغلت في القلب ، أعمت البصر ، وأصمت السمع ، وعطلت العقل والذهن .



أمته - عليه الصلاة والسلام - أمة أمية :



وإذا كان محمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً أمياً ، بنصوص الكتاب والسنة وانعقاد الإجماع وشهادة واقع الحال ، فإن أمته - صلى الله عليه وسلم - كانت أمة أمية ولا تزال ، وهذا وصفها في كتاب الله - عز وجل - ، وفي سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام .
( أ ) قال تعالى : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
فالأميون - هنا - هم العرب ، يمتن الله عليهم ، بأنه بعث إليهم رسولاً من جنسهم ومن جملتهم ، يتلو عليهم آيات الله ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ، بما يؤهلهم لقيادة البشرية ، والسير بها إلى شاطئ الهداية والنجاة .
قال الطبري : ( الأميون : هم العرب ، وعن مجاهد قال : هم العرب ، وعن قتادة قال : كان هذا الحي من العرب أمة أمية ، ليس فيها كتاب يقرءونه ، فبعث الله نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - رحمة وهدى يهديهم به ).
وقال ابن كثير : ( الأميون : هم العرب ، كما قال تعالى : وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ، وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم ، ولكن المنة عليهم أبلغ وأكثر ).
وقال الشوكاني : ( المراد بالأميين : العرب ، من كان يحسن الكتابة منهم ومن لا يحسنها ؛ لأنهم لم يكونوا أهل كتاب ، والأمي في الأصل : الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ، وكان غالب العرب كذلك ). ونقل القرطبي عن ابن عباس قوله : ( الأميون : العرب كلهم ، من كتب منهم ومن لم يكتب ؛ لأنهم لم يكونوا أهل
كتاب ).
وقال سيد قطب : ( قيل : إن العرب سموا أميين ؛ لأنهم كانوا لا يقرءون ولا يكتبون في الأعم الأغلب ، واقتضت حكمة الله أن يكون هذا النبي من العرب ، من الأميين ، إذ علم الله أن يهود قد فرغ عنصرها من مؤهلات القيادة الجديدة الكاملة للبشرية ، وأنها زاغت وضلت ، وأنها لا تصلح لحمل الأمانة ، بعد ما كان منها في تاريخها الطويل ).

وقد ورد في بيان سبب نزول هاتين الآيتين ، ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حين أُنزلت سورة الجمعة ، فتلاها ، فلما بلغ : وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ
قال له رجل : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا ؟ فلم يكلمه حتى سأل ثلاثاً ، قال : وسلمان الفارسي فينا ، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على سلمان ، فقال : والذي نفسي بيده ، لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء

وفي رواية : لو كان الدين عند الثريا ، لذهب به رجل من فارس - أو قال : من أبناء فارس - حتى يتناوله
ومنطوق هذا الحديث يفيد : أن المراد بـ ( الأميين ) - في هاتين الآيتين - هم العرب ، وبـ ( الآخرين منهم ) : الفرس ، أو العجم عامة .
قال الحافظ ابن كثير : ( ففي هذا الحديث دليل على عموم بعثته - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس ؛ لأنه فسر قوله تعالى : وَآخَرِينَ مِنْهُمْ بفارس ، ولهذا كتب كتبه إلى فارس والروم وغيرهم من الأمم ، وقال مجاهد : هم الأعاجم وكل من صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير العرب ).

وقال الشيخ محمد أمين الشنقيطي : ( الأميون : العرب ، وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن قوله تعالى : وَآخَرِينَ نزلت في فارس قوم سلمان ).



( ب ) وقد كان اليهود يسمون العرب ( الأميين ) ، ويقصدونهم بهذا الاسم في أحاديثهم ، وقد حكى القرآن الكريم ذلك عنهم ، قال تعالى : [وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
والمفسرون على أن المراد بالأميين - في هذه الآية - العرب .
قال الطبري : ( يعني بذلك جل ثناؤه ، من استحل الخيانة من اليهود وجحود حقوق العرب التي هي له عليه ، فلم يؤد ما ائتمنه العربي عليه إليه ، إلا ما دام عليه متقاضياً مطالباً ، من أجل أنه يقول : لا حرج علينا فيما أصبنا من أموال العرب ولا إثم ) .
ونقل عن قتادة قوله : ( قالت اليهود : ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل ) .
وعن السدي : ( يقال له : ما بالك لا تؤدي أمانتك ؟ فيقول : ليس علينا حرج في أموال العرب ، قد أحلها الله لنا )
وقال ابن كثير : ( وإنما حملهم على جحود الحق ، أنهم يقولون : ليس علينا في ديننا حرج ، في أكل أموال الأميين ، وهم العرب ، فإن الله قد أحلها لنا).
وقال الشوكاني : ( قالت اليهود : ليس علينا فيما أصبنا من مال العرب سبيل ).
ونقل القرطبي ما يفيد أن المراد بالأميين - في هذه الآية - ( المسلمون ) عامة ، قال - رحمه الله - : ( قيل : إن اليهود كانوا إذا بايعوا المسلمين يقولون : ليس علينا في الأميين سبيل ، أي : حرجٌ في ظلمهم ، لمخالفتهم إيانا ، أو ادَّعوا أن ذلك في كتابهم ، فأكذبهم الله - عز وجل - ).
أما سيد قطب فيرى أن مراد اليهود بكلمة ( أميين ) : كل من كان غير يهودي ، وإن كان استعمال هذه الكلمة - في هذه الآية - يراد به العرب .
قال - رحمه الله - : ( إنهم يقولون هذا القول ، ويجعلون للأخلاق
مقاييس متعددة ، فالأمانة بين اليهودي واليهودي ، أما غير اليهود - ويمسونهم الأميين وكانوا يعنون بهم العرب - وهم في الحقيقة يعنون : كل من سوى اليهود ، فلا حرج على اليهود في أكل أموالهم وغشهم وخداعهم والتدليس عليهم واستغلالهم ، بلا تحرج من وسيلة ولا فعل ذميم ).



( جـ ) وقد ورد في الحديث الشريف ، ما يفيد وصف ( الأمة المسلمة ) بأنها ( الأمة الأمية ) :
فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إنا أمة أمية : لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا ، يعني مرة تسعة وعشرين ، ومرة ثلاثين
وفي رواية مسلم : الشهر هكذا وهكذا ، وعقد الإبهام في الثالثة ، والشهر هكذا وهكذا ، يعني تمام الثلاثين
ومن الجلي - هنا - أن كون هذه الأمة لا تكتب ولا تحسب تفسير لاتصافها بصفة ( الأمية ) ، غير أن التفسير الذي يأتي على بيان بعض جوانب المفهوم ، لا التفسير الذي يحاول الإحاطة بالمفهوم على سبيل الحصر والتحديد .

فالرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أراد - في هذا الحديث - أن يذكر ببعض خصائص أمية أمته ، لا أن يأتي بتعريف جامع مانع لمفهوم ( الأمة
الأمية ) .
وقد ذكر عليه الصلاة والسلام من صفات هذه الأمة الأمية ، أنها لا تكتب ولا تحسب ، مشيراً بأصابع يديه الشريفتين إلى عدد أيام الشهر ، ليبين بشكل واضح وجلي أنه قد رفع عن أمته إصر التكلف والغلو والتمحل ، وأنها مأمورة بالأخذ بالأيسر والأسهل والأسمح ، والذي لا يخرج - في غالبه - عن طوق عامة الناس وأبسطهم .
فهذه الأمة ، من أول خصائصها التي صارت بها ( أمة أمية ) ، أنها لا تزال على ما ولدتها عليه أمهاتها ، من السير على نهج الفطرة ، والأخذ بمبدأ التيسير ، والبعد عن كل مناحي التصلب والتعقيد ، ولذا فهي مأمورة بأن لا تكلف نفسها ، ما ليس في وسعها الفطري ، وطاقتها البشرية السهلة المعهودة : فعن عبد الله بن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر رمضان فقال : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له
وفي رواية : فاقدروا له ثلاثين
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً هكذا ، وبمنتهى البساطة والسهولة
والوضوح : اعتمدوا في تحديد صومكم وفطركم ، وفي تعيين أيام حجكم ، ومعرفة شهوركم على الرؤية البصرية للهلال فحسب ، وكفاكم هذا السبيل السهل ، الميسر لغالب عامتكم . ولم يطلب - صلى الله عليه وسلم - من أمته - وهي أمة الفطرة - أن تتكلف تعلُّم علم حساب النجوم ، والعمق في مسائله ، والغوص في دقائقه ، بغية الوصول إلى معرفة منازل الهلال ، وتحديد مطالع الشهور ونهاياتها ، وما كان هذا إلا تمشياً مع قاعدة ( المشقة تجلب التيسير ) التي هي من ألزم قواعد هذا الدين الحنيف وشريعته السمحة الغراء .
قال تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال .
إن هذا الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وبشروا ويسروا
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً [
وقد تناول العلماء ( حديث الأمة الأمية ) ، وأسهبوا في بيان تعليق حكم الصوم - بناءً على منطوقه - برؤية الهلال ، دون تكلف الرجوع في ذلك إلى أهل التسيير والحساب .
قال الحافظ ابن حجر : وقيل للعرب أميون ؛ لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة ، والمراد بالحساب - هنا - حساب النجوم وتسييرها ، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضاً إلا النزر اليسير ) .
ثم انتهى من ذلك إلى القول : بأن المعوَّل في الصيام إنما يكون على الرؤية لا الحساب ، ولو وجد في المسلمين من يتقن علم حساب النجوم .
قال : فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية ، لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير ، واستمر الحكم في الصوم ، ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك ، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً ويوضحه قوله في الحديث : فإن غُم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ، ولم يقل : ( فسلوا أهل الحساب ) .
ثم قال : ( وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك ، وهم الروافض ، ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم ، قال الباجي : وإجماع السلف الصالح حجة عليهم ، وقال ابن بزيزة : وهو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم ؛ لأنها حدس وتخمين ، ليس فيها قطع ولا ظن غالب ، مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق ، إذ لا يعرفها إلا القليل ).
ثم نقل عن ابن بطال قوله : ( في الحديث رفع لمراعاة النجوم بقوانين التعديل ، وإنما المعول رؤية الهلال ، وقد نهينا عن التكلف ولا شك أن مراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية
التكلف ).
وقال السندي في حاشيته على سنن النسائي : ( إذا كان الشهر مختلفاً فالعبرة برؤية الهلال ، ولذلك ما كلفنا الله تعالى بحساب أهل النجوم ، ولا بالشهور الشمسية الخفية ، بل كلفنا بالشهور القمرية الجلية ، لكنها مختلفة ، فالعبرة حينئذ للرؤية ).
أما شيخ الإسلام ابن تيمية ، فكان أسهب في بيان بطلان اعتماد علم الحساب أساساً لتقرير مواعيد العبادات عند المسلمين ، مؤكداً على أن التزام رؤية الهلال ، هي السنة التي ارتضاها الله لهذه الأمة ، في أمور عباداتها .
قال - رحمه الله - : فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام ، أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء ، أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال ، بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز ، والنصوص المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك كثيرة ، وقد أجمع المسلمون عليه ، ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ، ولا خلاف حديث ، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة ، زعم أنه إذا غم الهلال ، جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب ، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا ، وهذا القول - وإن كان مقيداً بالإغمام ، ومختصاً بالحاسب - فهو شاذ ، مسبوق بالإجماع على خلافه ، فأما اتباع ذلك في الصحو
أو تعليق عموم الحكم العام به ، فما قاله مسلم .
وقد يقارب هذا قول من يقول من الإسماعيلية بالعدد دون الهلال ، وبعضهم يروي عن جعفر الصادق جدولاً يعمل عليه ، وهو الذي افتراه عليه عبد الله بن معاوية ، وهذه الأقوال خارجة عن دين الإسلام ، وقد برأ الله منها جعفراً وغيره .
قال تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ فأخبر أنها مواقيت للناس ، وهذا عام في جميع أمورهم ، وخص الحج بالذكر تمييزاً له . فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام ، فما ثبت من المؤقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات له ، وهذا يدخل فيه الصيام والحج ، ومدة الإيلاء والعدة وصوم الكفارة .
وذلك أن الهلال أمر مشهود مرئي بالأبصار ، ومن أصح المعلومات ما شوهد بالأبصار ، ولهذا سموه هلالاً ، لأن هذه المادة تدل على الظهور والبيان ، إما سمعاً وإما بصراً ، كما يقال : أهلَّ بالعمرة ، وأهلَّ بالذبيحة لغير الله إذا رفع صوته ، ويقال لوقع المطر : الهلل ، ويقال : استهل الجنين ، إذا خرج صارخاً ، ويقال : تهلل وجهه إذا استنار وأضاء .
فالمقصود أن المواقيت حددت بأمر ظاهر بيِّن يشترك فيه الناس ، ولا يشرك الهلال في ذلك شيء ، فإن اجتماع الشمس والقمر ، الذي هو تحاذيهما الكائن قبل الهلال ، أمر خفي لا يعرف إلا بحساب ينفرد به بعض الناس ، مع تعب وتضييع زمان كثير
واشتغال عما يعني الناس وما لا بد له منه ، وربما وقع فيه الغلط والاختلاف .
وكذلك كون الشمس حاذت البرج الفلاني أو الفلاني ، هذا أمر لا يدرك بالأبصار ، وإنما يدرك بالحساب الخفي الخاص المشكل ، الذي قد يغلط فيه ، وإنما يعلم ذلك بالإحساس تقريباً ، فظهر أنه ليس للمواقيت حد ظاهر عام المعرفة إلا الهلال ) .
وبعد أن تناول عادات الأمم في معرفة شهورها وسنيها ، قال : ( فالذي جاءت به شريعتنا أكمل الأمور ؛ لأنه وقت الشهر بأمر طبيعي ظاهر عام يدرك بالأبصار ، فلا يضل أحد عن دينه ، ولا يشغله مراعاته عن شيء من مصالحه ، ولا يدخل بسببه فيما لا يعنيه ، ولا يكون طريقاً إلى التلبيس في دين الله ، كما يفعل علماء أهل الملل بمللهم ).
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب ، ولم يأذن في إثبات الشهور بذلك .
ولست أقصد من هذا منع الاستعانة بالمراصد والنظارات على رؤية الهلال ، ولكني أقصد منع الاعتماد عليها أو جعلها معياراً للرؤية ، لا تثبت إلا إذا شهدت المراصد لها بالصحة ، أو بأن
الهلال قد ولد ، فهذا كله باطل ، ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ، ما يقع بينهم من اختلاف في كثير من الأحيان ، في إثبات ولادة الهلال أو عدمها ، وفي إمكان رؤيته أو عدمها .
ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته ، لم يكن إجماعهم حجة ؛ لأنهم ليسوا معصومين ، بل يجوز عليهم الخطأ جميعاً ، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به ، هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية ).
فالمراد بـ ( الحساب ) الذي أشارت إليه عبارة ( لا نحسب ) في الحديث ، هو علم حساب النجوم ، أو ما يسمى بـ ( علم التسيير ) ، وقد دل الحديث على أن هذه الأمة غير مكلفة بالأخذ بهذا العلم ، وصولاً إلى معرفة منازل القمر ، وتحديد بدايات الشهور ونهاياتها ، لما في ذلك من الكلفة والعنت ، ولكونه علماً يقوم على الحدس والتخمين ، واحتمال الوقوع في الخطأ فيه كبير ، وإنما المعول في ذلك كله على رؤية الهلال بالبصر المجرد ، لما في ذلك من التيسير على عامة الأمة ، ولكونه أمراً ظاهراً عاماً بيناً ، يشترك فيه غالب الناس ، والأخذ به أبعد عن الخطأ ، وعن التلبيس في دين الله تعالى .
أما فيما يتعلق بمفهوم ( الكتابة ) - والمشار إليه في الحديث
بعبارة ( لا نكتب ) - فإن أكثر العلماء قد وقفوا عند ظاهر اللفظ ، لم يتجاوزوه ، وحملوه على عدم إجادة الكتابة ، باعتبار أن هذه المهارة كانت في هذه الأمة عزيزة نادرة ، لا يتقنها إلا قلائل الأفراد .
غير أن شيخ الإسلام ابن تيمية ، نظر إلى المسألة نظرة ثاقبة ذكية متعمقة ، فذهب إلى أن أمة العرب كانت أمة أمية قبل القرآن ؛ لأنه لم يكن لها كتاب تقرؤه ، وظلت بعد نزوله أمية ، باعتبار عدم احتياجها لحفظ دينها إلى كتابته ، بل إن قرآنها محفوظ في صدور أبنائها ، إضافة إلى تكفل الله سبحانه بحفظه - بنص الكتاب - إلى يوم الدين .
قال -بن باز رحمه الله - : ( ويقال : ( الأمي ) لمن لا يقرأ ولا يكتب كتاباً ، ثم يقال لمن ليس لهم كتاب منزل من الله يقرءونه ، وإن كان قد يكتب ويقرأ ما لم ينزل ، وبهذا المعنى كان العرب كلهم أميين ، فإنه لم يكن عندهم كتاب منزل من الله ، قال تعالى : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ وقد كان في العرب كثير ممن يكتب ويقرأ المكتوب ، وكلهم أميون .
فلما نزل القرآن عليهم ، لم يبقوا أميين باعتبار أنهم لا يقرءون كتاباً من حفظهم ، بل هم يقرءون القرآن من حفظهم ، لكن بقوا أميين باعتبار أنهم لا يحتاجون إلى كتابة دينهم ، بل قرآنهم محفوظ في قلوبهم ، كما في الصحيح عن عياض بن حمار المجاشعي مرفوعاً ، وفيه : إني مبتليك ومبتل بك وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء ، تقرؤه نائماً ويقظاناً .
فأمتنا ليست مثل أهل الكتاب الذين لا يحفظون كتبهم في قلوبهم ، بل لو عدمت المصاحف كلها ، كان القرآن محفوظاً في قلوب الأمة ، وبهذا الاعتبار فالمسلمون أمة أمية بعد نزول القرآن وحفظه ، كما في الصحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : إنا أمة أمية : لا نحسب ولا نكتب ، الشهر هكذا وهكذا ، فلم يقل : إنا لا نقرأ كتاباً ولا نحفظ ، بل قال : لا نكتب ولا نحسب فديننا لا يحتاج أن يكتب ويحسب ، كما عليه أهل الكتاب ، من أنهم يعلمون مواقيت صومهم وفطرهم بكتاب وحساب ، ودينهم معلق بالكتب ، لو عدمت لم يعرفوا دينهم.
قلت : وعدم اعتماد هذه الأمة على الكتابة في حفظ كتابها - كحال الأمم السابقة في حفظ كتبها - يرجع إلى تكفل الله - عز وجل - بحفظ هذا الكتاب ، الأمر الذي لم يتكفل به سبحانه لأي كتاب سماوي آخر ، قال تعالى : [إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
فالكتب السماوية السابقة إنما نزلت لأمد معين ووقت محدد ، فإذا انقضى ذلك الأمد أو الوقت ، الذي أنزل من أجله كل كتاب من تلكم الكتب ، تعرض ذلك الكتاب لما تعرض له سابقوه من الكتب الأخرى ، من عوامل الضياع ، ومظاهر التلاشي والنسيان ، وأصابه - ما أصابها - من النقص والتزيد والحذف والتغيير والتحريف ، بما لا يجعله صالحاً بعد تلك الفترة التي أنزل لها .
أما كتاب هذه الأمة ، فهو خاتم الكتب جميعاً ، وهو معجزة الله الخالدة بين يدي خلقه إلى قيام الساعة ، ولذا تكفل سبحانه وتعالى بحفظه وصونه ، كتب أم لم يكتب ، حرص على جمعه وتدوينه أم لم يحرص ، وهذا ما يوضحه الخطاب الإلهي التالي ، الموجه إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ، حين أخذ يسارع في حفظ القرآن ويلهج بترديده ، مخافة نسيانه له ، وضياعه منه ، قال تعالى :لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
فهذا الكتاب المبين محفوظ بحفظ الله له ، وبتسخيره طائفة من عباده المؤمنين يحفظونه في صدورهم ، ويتعاهدونه بالتلاوة والترديد ، آناء الليل وأطراف النهار ، وما كتابته - من قبل كتبة الوحي وفي المصاحف - إلا تزيداً في تثبيت هذا الحفظ ، ومبالغة في تأكيد ذلك الصون لا أكثر .
لقد رفع - بقوله - صلى الله عليه وسلم - : إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب عن هذه الأمة إصران من الآصار التي تغل حياة غيرها من الأمم :
1 - إصر تكلف التزام الكتابة ، لحفظ الكتاب والسنة ، مخافة ضياعهما ، ذلك لئلا تصير أصول ديننا - من كتاب وسنة - معلقة بالكتب ، لو عدمت هذه الكتب ضاع أكثر تلك الأصول .
2 - إصر تقحم وعثاء علم حساب النجوم ، لمعرفة مواقيت بعض العبادات والأحكام ، من صوم ، وفطر ، وحج ، وعدة ، وإيلاء ، وكفارات ، وذلك كي لا تصبح أحكام ديننا معلقة بعلم حساب النجوم ، الذي تشق معرفته على غالب جماهير الأمة ، بل
أمره محصور في أفراد قلائل معدودين .
وهذا كله يندرج تحت باب ( الرحمة بهذه الأمة ) ، باعتبارها أمة الفطرة ، وباعتبار رسالتها الرسالة الخاتمة ، التي تصلح لكل زمان ومكان وجيل .


عنوان مصدر المقال:
http://www.alifta.net/Fatawa/fatawaD...eNo=1&BookID=2





آخر تعديل بالتوفيق يوم 2014-09-20 في 22:32.
    رد مع اقتباس
قديم 2014-09-20, 22:13 رقم المشاركة : 10
a.khouya
مراقب عام
 
الصورة الرمزية a.khouya

 

إحصائية العضو








a.khouya غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة القران الكريم

مشارك في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

مسابقة المبشرون بالجنة مشارك

مشارك مميز

مشارك(ة)

وسام العضو المميز

مشارك(ة)

وسام المرتبة الأولى من مسابقة السيرة النبوية العطر

افتراضي رد: لماذا سمي الرسول عليه الصلاة والسلام ’’النبي الأمي’’ ؟؟؟



موضوع قيم وبحث مستفيض حول أمية الرسول الكريم.
بارك الله فيكم
كل التقدير





التوقيع

يبقى الصمت أفضل
حين يغيب الرد

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 17:37 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd