ولعلَّ ابن الجوزي الذي سمى كتابه " صيد الخاطر " و الامام ابن دقيق العيد الذي سمى كتابه " قنص السوانح " صورا لنا بإيجاز بليغ معنى الخاطرة وانها لمحة ذهنية عارضة أو طارئة تحتاج من الكاتب إلى الذكاء و قوّة الملاحظة و يقظة الحس و دقّة التعبير لأنه يتناول أشياء عادية يقدمها في أسلوب فني جميل يلفت إليها نظر القارئ في قوّة فيعطي معها الدلالات الكبيرة حتى يرى القارئ فيها رؤى جديدة و من هنا تأتي أهميتها...فهي ليست فكرة تُعرض من كل الوجوه بل هي مجرد لمحة و ليست كالمقالة مجالاً للأخذ و الرد، و لا تحتاج إلى الأسانيد و الحُجج القويّة لإثبات صدقها فهي فكرة لا تحتمل الاتفاق أو الاختلاف...

و ليس للخاطرة مجالات محدودة لأنها في غالبها تفكرفي الكون و مصائر المخلوقات و لا تخضع في عرضها لتقليد خاص و لا تتوقف بالضرورة على حدود مرسومة في تناول فكرتها..وليس للخاطرة قالبٌ فنيٌّ جاهزٌ تُصبُّ فيه ، بل إنَّ لكل كاتبٍ منهجه الخاص في العرض ، لكنَّ الأمور التي يُتفق عليها عدم تقييد الخاطرة بالوزن و القافية و السجع الذي يؤذي انسيابية الخاطرة و يبدو كأشواكٍ تُزرع في طريق القارئ...

و تعتمد الخاطرة في تكوينها على التكثيف و الدقة في إصابة المعنى بدون إطالة وبدون تكرار الألفاظ و المعاني و التفاصيل التي لا تخدم المسار العام للخاطرة مما قد يؤدي إلى بلبلة القارئ و صعوبة رؤيته للهدف الذي أراد الكاتب إصابته...

وهي أولا وأخيرا فن لا يجيده إلا القليل ...