2014-04-27, 17:35
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | مسألة التعليم في الجيل الجديد من الخطابات الملكية | مسألة التعليم
في الجيل الجديد من الخطابات الملكية *مصطفى بتي، مفتش تربوي*
صنف المحللون السياسيون الخطابات الملكية الأخيرة ضمن الجيل الجديد للخطابات الملكية، بما في ذلك خطاب افتتاح الدورة الأخيرة للبرلمان والتي وصف فيها الملك الدار البيضاء بمدينة المتناقضات، وخطاب ذكرى المسيرة الخضراء الذي حمل خلاله المسؤولية المباشرة للجزائر فيما يتعلق بملف الوحدة الترابية.
جاء الخطابان الملكيان بمناسبة ثورة الملك والشعب لسنتين متواليتين(2012 و2013)، واللذان يندرجان بدورهما في خانة الجيل الجديد للخطابات الملكية، جاءا ليضعا حدا للجدل الذي دار في الأوساط التربوية حول جدوى الإصلاحات التي عرفتها منظومة التربية والتكوين منذ نهاية العقد الأخير من القرن الماضي.
- خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2012:
إن خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2012 حسم في أمر تقويم الإصلاحات، إذ قدم تقييما قاسيا لمحاولات الإصلاح الأخيرة، وأقر بفشلها، لدرجة أن إحدى الجرائد الوطنية اعتبرت في افتتاحيتها أن "الملك ينعي المغاربة في مدرستهم العمومية" وإعلانه فشل مخططات مستشاره الراحل مزيان بلفقيه.
حيث أكد الخطاب الملكي على" أن انخراط الشباب في هذا الخيار الاستراتيجي. يظل رهينا بمدى تأهيله وإعداده للمستقبل". وهذا ما يحيل على" المنظومة التربوية. وقدرتها على تكوين الأجيال الصاعدة. وإعدادها للاندماج الكامل في المسار التنموي الديمقراطي للمجتمع."
لذلك يتعين الانكباب الجاد على هذه المنظومة. هذه المنظومة التي تسائلنا اليوم. "إذ لا ينبغي أن تضمن فقط حق الولوج العادل والمنصف. القائم على المساواة. إلى المدرسة والجامعة لجميع أبنائنا. وإنما يتعين أن تخولهم أيضا الحق في الاستفادة من تعليم موفور الجدوى والجاذبية. وملائم للحياة التي تنتظرهم."
كما يجب أن تهدف المنظومة التربوية إلى" تمكين الشباب من تطوير ملكاتهم. واستثمار طاقاتهم الإبداعية. وتنمية شخصيتهم للنهوض بواجبات المواطنة. في مناخ من الكرامة وتكافؤ الفرص. والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. "
ولبلوغ هذه الغاية. يجب العمل على "تفعيل ما تمت التوصية به خلال السنوات الأخيرة. وتجسيد ما توخاه الدستور الجديد بخصوص التعليم العصري والجيد."
وفي هذا الصدد. ينبغي إعادة النظر في المقاربات وفي الطرق المتبعة في المدرسة. للانتقال من "منطق تربوي يرتكز على المدرس وأدائه. مقتصرا على تلقين المعارف للمتعلمين. إلى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين. وتنمية قدراتهم الذاتية. وإتاحة الفرص أمامهم في الإبداع والابتكار. فضلا عن تمكينهم من اكتساب المهارات. والتشبع بقواعد التعايش مع الآخرين. في التزام بقيم الحرية والمساواة. واحترام التنوع والاختلاف."
لا يتعلق الأمر إذن. في سياق الإصلاح المنشود. "بتغيير البرامج. أو إضافة مواد أو حذف أخرى. وإنما المطلوب هو التغيير الذي يمس نسق التكوين وأهدافه. وذلك بإضفاء دلالات جديدة على عمل المدرس لقيامه برسالته النبيلة. فضلا عن تحويل المدرسة من فضاء يعتمد المنطق القائم أساسا على شحن الذاكرة ومراكمة المعارف. إلى منطق يتوخى صقل الحس النقدي. وتفعيل الذكاء. للانخراط في مجتمع المعرفة والتواصل."
وعليه. وجب "التركيز على ضرورة النهوض بالمدرسة العمومية. إلى جانب تأهيل التعليم الخاص. في إطار من التفاعل والتكامل."
ومن أجل النهوض بالقطاع التربوي والتعليمي. بما يقتضيه الأمر من شراكة ومسؤولية. فإن الخطاب الملكي دعا إلى "الإسراع بتفعيل مقتضيات الدستور. بخصوص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. في صيغته الجديدة. على أن تساهم هذه الهيأة في إنجاح هذا التحول الجوهري والمصيري. ليس بالنسبة لمستقبل الشباب فحسب. بل ولمستقبل المغرب. بلدا وأمة."
- خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2013:
إن خطاب نفس الذكرى لسنة 2013 اعتبر انتفاضة في وجه الحكومة عموما وفي وجه الوزير المكلف بتدبير قطاع التربية والتكوين على وجه الخصوص، فيما يخص الأداء المرتبط بإصلاح التعليم. حيث أقر الملك بكون " الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة." وبالتراجع عن مكتسبات الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي دون "إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين"، وفي ذلك، ربما إشارة إلى القرارات التي اتخذتها وزارة التربية الوطنية مؤخرا.
إذ أقر الخطاب الملكي بكون قطاع التعليم يواجه عدة صعوبات ومشاكل، خاصة بسبب "اعتماد بعض البرامج والمناهج التعليمية، التي لا تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل، فضلا عن الاختلالات الناجمة عن تغيير لغة التدريس في المواد العلمية، من العربية في المستوى الابتدائي والثانوي، إلى بعض اللغات الأجنبية، في التخصصات التقنية والتعليم العالي." وهو ما يقتضي "تأهيل التلميذ أو الطالب، على المستوى اللغوي، لتسهيل متابعته للتكوين الذي يتلقاه."
وأشار أيضا إلى:
- اعتبار الموارد البشرية ثروة متجددة، وفي طليعتها الشباب الطموح، المتشبع بحب وطنه، والمعتز بتقاليده العريقة، والمتحلي بالتربية السليمة؛
- حرص المغاربة على حسن تعليم أبنائهم، وتربيتهم على مكارم الأخلاق، وعلى التعلق بالثوابت الوطنية العليا، في تكامل بين الدار والمدرسة، وفي انفتاح على مستجدات العصر؛
- جعل المواطن المغربي في صلب عملية التنمية والسياسات العمومية، والعمل على تمكين المدرسة من الوسائل الضرورية للقيام بدورها في التربية والتكوين؛
- تشجيع الشباب على تعلم اللغات الأجنبية وإتقانها، إلى جانب اللغات الرسمية التي ينص عليها الدستور لاستكمال تأهيله وصقل معارفه، وتمكينه من العمل في المهن الجديدة للمغرب، التي تعرف خصاصا كبيرا في اليد العاملة المؤهلة، كصناعة السيارات، ومراكز الاستقبال (centres d'appel ) وتلك المرتبطة بصناعة الطائرات وغيرها.
كما أشار أيضا إلى أن ما يتم السهر عليه من توفير البنيات التحتية الضرورية، بمختلف جهات ومناطق المملكة، من طرق وماء صالح للشرب وكهرباء، ومساكن للأساتذة ودور للطالبات والطلبة وغيرها، كلها تجهيزات أساسية مكملة لعمل قطاع التعليم، لتمكينه من النهوض بمهامه التربوية النبيلة.
فإذا كان المغرب قد حقق "منجزات هامة في مجال التربية والتكوين، يجسدها على الخصوص ارتفاع نسبة التمدرس، وخاصة لدى الفتيات، وذلك بفضل الجهود الخيرة التي يبذلها رجال ونساء التعليم". فإن "الطريق ما يزال شاقا وطويلا أمام هذا القطاع، للقيام بدوره كقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث يبقى السؤال الملح الذي يطرح نفسه: لماذا لا تستطيع فئات عريضة من الشباب تحقيق تطلعاتها المشروعة على المستوى المهني والمادي والاجتماعي؟
إن الوضع الراهن لقطاع التربية والتكوين- حسب الخطاب الملكي- يقتضي "إجراء وقفة موضوعية مع الذات، لتقييم المنجزات، وتحديد مكامن الضعف والاختلالات." وهنا يجدر التذكير بأهمية الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي تم اعتماده في إطار مقاربة وطنية تشاركية واسعة.
غير أنه لم يتم العمل، على "تعزيز المكاسب التي تم تحقيقها في تفعيل هذا المخطط بل تم التراجع، دون إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين، عن مكونات أساسية منه، تهم على الخصوص تجديد المناهج التربوية، وبرنامج التعليم الأولي، وثانويات الامتياز."
في حين كان من المفروض "استثمار التراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين، باعتباره ورشا مصيريا، يمتد لعدة عقود."
وحث الخطاب الملكي إلى عدم "إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض"، أو إخضاع "تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية." بل يجب وضعه في "إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربوي ناجع."
خاتمة:
إن القرارات التي اتخذت في شأن إصلاح المنظومة التربوية المغربية، وطريقة تنزيلها وتنفيذ مشاريع الإصلاح يغلب عليها دائما الطابع الاستعجالي. فلا "عشرية" الميثاق الوطني للتربية والتكوين التي استعجلت النتائج، ولا "رباعية" البرنامج الاستعجالي التي حددت جدولة زمنية صارمة لتنفيذ المشاريع، فلا هذه ولا تلك أعطت الوقت الكافي لسيرورة الإصلاح التربوي.
اليوم، وأمام هذا المنعطف الذي تعيشه منظومة التربية والتكوين بالمغرب، قد لا يختلف اثنان على أن الإصلاح الشامل للمنظومة التربوية يتطلب أن يكون جزءا من مشروع مجتمعي شامل يشارك الجميع في بلورته وتنزيله وتنفيذه، حتى تولد النتائج المتوخاة ولادة طبيعية، ونتجنب بذلك الإصلاحات القيصرية التي تخضع لها بين الفينة والأخرى منظومتنا التربوية المغربية.
مصطفى بتي
مفتش تربوي- أزيلال | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=737591 |
| |