لعل المتتبع للشأن التعليمي ببلادنا و الإجراءات الحكومية المتخذة بشأنه في ظل حكومة بنكيران سواء في نسختها الأولى أو الثانية، سيظهر له جليا أن الحكومة لم تأت بأي جديد للقطاع و لم تضيف له أي إضافة و خاصة أن جميع المؤسسات الوطنية و الدولية و الباحثين و الخبراء و الفاعلين بالقطاع يجمعون على أن القطاع وصل لحالة متردية لا تتصور و أصبحنا أضحوكة العالم في هذا الشأن رغم الميزانيات الضخمة التي ترصد له سنويا، و يوجهون انتقادات شديدة اللهجة للطريقة التي يدبر بها القطاع و للمقاربة الفوقية التي تعتمد في طريقة تنزيل أي قرار يهمه و التي لا تراعي الخصوصية المغربية و الوضعية الحقيقية لمؤسساتنا التعليمية و التكوينات المعتمدة، و كان آخرها برنامج مسار الذي لقي لغطا كبيرا في صفوف الأساتذة و التلاميذ.
كيف يعقل أن يكون قطاع حساس و استراتيجي كالتعليم، يشغل أكثر من نصف موظفي القطاع العام، و يكلف الميزانية الدولة السنوية أكثر من 50 مليار درهم يعني أكثر من ربعها، و الحكومة لا تتوفر على خارطة طريق أو تصور واضح لإصلاحه و إنقاذه من الهاوية التي هو على حافتها إذ لم نقل وقع فيها؟ كيف يعقل أن قطاع مثله يستوجب وزير شاب يجوب المغرب من شماله إلى جنوبه و من شرقه الى غربه و يقف على اكراهات القطاع عن قرب و على مستوى الميدان لأنه من عاين ليس كمن سمع، و الاختلالات التي تشوبه، يدبره وزير متقاعد رسميا و بلغ من الكبر عتيا و مريض صحيا و كلف تعسفيا بتدبير القطاع؟
الوزير بلمختار لا يتوفر على استراتيجية واضحة للنهوض بالقطاع و ما جاء به و خاصة منظومة مسار مجرد آلية و تقنية لمسك نقط التلامييذ بعدما كانت تمسك عن طريق الأوراق في السابق، و لهذه المبادرة عدة نواقص و اختلالات كبيرة و عديدة و خاصة على مستوى التنزيل لأنها لم تراع وضعية المؤسسات التعليمية و خاصة فيما يتعلق بمستوى تزويدها بالأجهزة المعلوماتية و تغطية الفيافي و القفار المستنبتة بها هذه المؤسسسات بالأنترنيت و كذلك تكوين الأطر التربوية الإدارية تكوينا حقيقيا و فعالا في هذا لتعامل مع هذه التقنية…
وزارة التربية الوطنية في حكومة بنكيران لم تتخذ أي قرار يمكن أن يشكل نقطة انعطاف في تاريخ المنظومة، و ما تقوم به اليوم من أداء أجور الموظفين و الاقتطاع من أجورهم ظلما و جورا بسبب ممارستهم لحقهم الدستوري في الاضراب و تحالفها مع وزارة الداخلية لتعنيف و اعتقال المحتجين منهم، و اليوم توسع هذا التحالف ليشمل وزارة الاقتصاد و المالية ليتم دعوة المضربين بأداء غرامة مالية خيالية و من لم يؤد في أجل محدد سيتعرض لغرامة مالية إضافية، يدخل في إطار مجرد صلاحيات حكومات تصريف الأعمال المنتهية ولايتها أو المكلفة بتدبير مرحلة انتقالية معينة.
هذه حكومة تصريف أعمال لا أقل و لا أكثر في قطاع التربية الوطنية، و لا يمكنها أن تنهض بالقطاع و بهذه القرارات العشوائية الارتجالية، و الخطيرة، و خاصة عندما يتعلق الأمر بالمس بأجور و رواتب الموظفين فهي تلعب بالنار، و أكيد ستدخل القطاع في دوامة مجهولة العواقب. و كاحترام للمغاربة و المغربيات بلمختار مكانه ليس على رأس وزارة التربية الوطنية، فالرجل محسوب على سنوات الجمر و الرصاص و كان عضوا في حكومة عبد اللطيف الفيلالي بين 1995 و 1998، و كان يجاور ادريس البصري في مجلسي الحكومة و الوزراء و هو متشبع بسياسته البوليسية و الأمنىة في تمرير مخططاته حتى النخاع و آخر شيء يمكن أن يفكر فيه هو المقاربة التشاركية أو التشاورية، و المغرب كما يدعون يعيش عهدا جديدا، بدستور جديد، بحكومة جديدة، و مؤسسات حقوقية جديدة، بالاضافة الى ذلك كله، ألا يوجد في بلد كالمغرب شخص شاب له من المؤهلات ما يمكنه من إدارة هذه الوزارة غير هذا الرجل؟ أم أن المغرب في عهد حكومة بنكيران أصبح بلدا عقيما و لا يلد غير المشرملين و “الحراكة”؟؟