2013-12-04, 10:49
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | من الأحق بأن يستفتى؟ | تحدث كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين عن العرف كمعطى ينبغي استحضاره في الفتوى، كما قال ابن قيم الجوزية بشرط فهم الواقع، والشاطبي بمعرفة العادات. إن الأخذ في الحسبان مسألة العرف والعادات يمكن من تجاوز إلإشكاليات التي تتعلق بالفتوى، خصوصا لدى المتلقي الذي تغيب عنه معايير من أحق بأن يستفتى، فيخلد إلى المفتي الذي تطمئن إليه نفسه، وهو طبعا المتفقه في الشريعة، العارف بأوجه استنباط الأحكام وقواعد الترجيح وغير ذلك. لكن المسألة لا تحل دائما ببساطة ويسر، وحتى الاطمئنان قد يكون أحيانا مرفوقا بالحرج والمشقة، وهذا مما لا يتوافق مع جوهر الدين فاستفتاء عالم من بيئة مختلفة، ثقافية أو جغرافية، للناس فيها عرفهم وعاداتهم المستحكمة قد تنتج عنه فتاوى تجانب المقاصد الكبرى للشريعة لأن المفتي لن يقوم بالإفتاء إلا على أساس ما ترسخ لديه، خصوصا حين يتعلق الأمر بالقضايا المستحدثة أو النوازل. إضافة إلى العرف، تمثل اللغة في بعض الأحيان أحد محددات استيعاب السؤال والفتوى. وهذا العامل المرتبط باللغة واضح جدا بما أن الاختلاف بين اللغات المستعملة في الأقطار العربية والإسلامية على مستوى المعجم والمفاهيم هو اختلاف موجود على اختلاف حدته، وقد سمعت عدة مرات سائلين على القنوات الفضائية يسألون علماء من غير بلدانهم، فيطرح مشكل اللغة نفسه ويتعب السائل في شرح ما يريد بكلامه قبل أن يحصل على الفتوى. هذا يجيبنا على السؤل حول من الأحق بأن يستفتى، وهو العالم من أهل بلد السائل، وذلك لاشتراك الطرفين في اللسان والمفاهيم والثقافة التي تسمح للمفتي بإدراك المنطوق والمسكوت عنه في السؤال. قبل سنوات، سمعت فتوى لأحد علماء المملكة العربية السعودية، قال فيها أنه لا يجوز للمسلم أن يهاجر للعيش في دولة غربية لأن ذلك هجرة من دار الإسلام إلى دار الكفر. ومن السهل علينا أن ندرك أن فتواه هاته مجتثة من الواقع، لم تستحضر فيها مقاصد الشريعة ولا فقه واقع المستفتي ولا مآلات الأعمال. وواضح أيضا أن المفتي أفتى بالنظر إلى حاله هو وبما ترسخ عنده بحكم الواقع. فالعالم في السعودية لا ينبغي أن يهاجر لأنه مكرم في بلده، وصوته مسموع، شريطة أن لا يتكلم بأي كلمة انتقاد ل"أولي الأمر"، وبإمكانه التحدث عن أخطاء الجميع لكن ممنوع أن يتكلم عن أخطاء الحكم مخافة "الفتنة". أما السؤال فقد أتى من شخص يعيش في بلد محكوم بالحديد والنار، ويرى أن ما تتيحه الحياة من حرية وكرامة في الغرب أفضل بكثير مما هو متاح في بلده الإسلامي. وربما لم يستوعب المفتي تلك المتغيرات، ولو كان يعيش في بلد يعطل فيه الشرع وتنتهك فيه الحرمات ويضيق فيه الخناق على المتدينين ويتم فيه نشر ثقافة الإباحية بشكل ممنهج، لكان له رأي وقول آخر، ولاستحضر ضرورة الحفاظ على أهم أصلين من الأصول الخمسة التي صنفها علماء الأصول والمقاصد، وأعني بهما حفظ الدين وحفظ النفس. وأتصور أنه لو اتبع الناس في تونس أيام بورقيبة وبنعلي والناس في سوريا أيام حكم حافظ الأسد مثل هذه الفتوى لما بقي منهم واحد على قيد الحياة. ستعود للفتوى مكانتها كمصدر لمعرفة أحكام الشرع ومصدر للاطمئنان والأمن حين تتوفر فيها الشروط اللازمة التي تحدث عنها كثير من العلماء كابن رجب الحنبلي وغيره، وإذا كان للعلماء المفتين شروط، فللمستفتي أيضا شروط، ليس أدناها معرفة كيف ومن يستفتي.
بقلم: روبن هود | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=698904 |
| |