2013-12-06, 17:17
|
رقم المشاركة : 37 |
إحصائية
العضو | | | رد: قصة و عبرة رثاء و ذكرى: حج و وفاة | الفصل الثالث حلقة 10( البداية في المشاركة27)
لقد عشنا جميعا تجربة قاسية، و مررنا كلنا من امتحان عسير، لن نستطيع نسيان أطواره أو طي صفحاته، أو محوَ مراحله، أو استيعاب نهايته،
نهايته هاته، التي تمثلت في اختطاف المنون لأعز و أغلى ما كان لدينا في هذه الحياة، و حِرماننا من الحب و العطف و الحنان،
فإن أنس، لن أنسى اللحظات الأخيرة من حياة هذه الوالدة،
و هي تنتقل من حياة إلى حياة أخرى،
من حياة مادية عابرة، إلى حياة روحية أبدية،
و من عيش على وجه البسيطة محفوف بالماديات،
و محاط بالأخطار و الخوف من بعض الانزلاقات، و ارتكاب الآثام و السيئات، أو الوقوع في فخ المغريات،
إلى عالم الجنات و الإنعامات، و الفردوس الأعلى، وأرفع المقامات،
و ما وعد به الرحمن عباده الصالحين الطائعين المؤمنين القانتين،
و العابدين المخلصين المستعيذين به من الشيطان الرجيم.
لن أنسى ما حييت، تلك اللحظات العصيبة التي ما كنت أتمنى أن أعيشها،
و لا أخضع لاختبارها، و لن أستطيع ما اجتهدت، أن أعبّر أو أصف شعوري و ألمي و حسرتي و ضعف حيلتي أثناءها، و أنا أرى والدتي و هي تنازع سكرات الموت، و ليس بيدي وسيلة ألتجئ إليها لأفديها بها، أو حيلة أستعملهما لإنقاذها،
و أنا أرى الروح تنسلخ منها انسلاخا، و ليس بيننا ثالث في غرفة الإنعاش التي كانت ترقد بها، إلا الله سبحانه و تعالى، و قد صمّ أذنيّ جرس ذلك الجهاز الذي كانت خيوطه مثبتة على صدرها، يعكس بواسطتها دقات القلب، و أحوال النبض، و مقاييس الضغط،
و قد انطلق ناقوسه في الرّن و الطنين بصوت مزعج مخيف، و احمرت لوحته بشكل مثير فظيع، يعلنان بقوة، ابتداء العد العكسي لوصول الأجل المحتوم، و بمجرد سماع رنينه، و الاطلاع على احمرار سبورته، بُذلت محاولات يائسة من طرف الطاقم الطبي، و الممرضات العاملات في هذا الجناح، لإعادة دقات القلب إلى طبيعتها، و الأمور إلى نصابها،
لكن هيهات هيهات، لم يكن ذلك إلا ضربا من العبث و الخيال، وطلبا للمستحيل و المحال، و في هاته اللحظات الحرجة المؤلمة، و أنا أكاد أفقد صوابي، و القشعريرة اجتاحت جسدي، و الدموع تغرق عيني و تسقي خدي، و تبلل ملابسي، وأنا أمرّغ وجهي في اليدين الحبيبتين، و أقبّلهما وأعاود التقبيل، علما مني بأنها فرصتي الأخيرة لفعل ذلك، ملتمسا منها رضاها، و سائلا لها السهولة في اجتياز سكراتها، و عيناي لا تفارقان وجهها المضيء، تمتلئان بطلعتها البهية، و تودعان نظراتها الوديعة المستجدية،
و في هذه الأثناء، أقبلت طلعة الأخ الحاج توفيق، فأحسست من خلالها بالدفء و الاطمئنان، و بوجود أحد يشاركني آلامي، و يعيش معي لحظات ضياعي و هذياني، و الإحساس بفقدان جزء كبير من كياننا، و حدوث شرخ عظيم في جدار أسرتنا، و بانهيار ضخم يصيب أساس مبنى عائلتنا | التوقيع | | آخر تعديل بالتوفيق يوم 2013-12-06 في 17:27. |
| |