القراءة عملية منهجية يترتب عنها تَتبُّع الأفكار التي أنتجتها العقول وسَالت بها أقلام أهل الفكر والثقافة و الأدب والعلم...بغرض استيعابها والاستفادة منها أو نقدها.0
وبواسطة هذه العملية تأسست المدارس الفكرية والعلمية والأدبية، وبفضلها بُنيت الحضارات البشرية في الماضي والحاضر...، ولهذه الأهمية جاء أول خطاب قرآني يحمل أمرا إلهيا يوصي المسلمين بضرورة القراءة بمفهومها الواسع؛ باعتبارها مفتاح العلوم الشرعية والمادية والإنسانية، حيث قال الله عز وجل: "اقرأ باسم ربك الذي خلق..."0
وعندما نتأمل في نتائج ممارسة عملية القراءة؛ نجدها تؤسس لدى القارئ كفاءات منهجية فكرية، ومعرفية، وتواصلية. والجدير ذكره أن القراءة التي تُحَصل المهارات هي القراءة المنهجية. وعليه فإن القارئ الماهر هو الذي يتخذ لنفسه برنامجا منظما للمطالعة الحرة والمفتوحة حتى يصل إلى درجة الإدمان على القراءة ؛ بحيث تصير القراءة والمطالعة جزءا لا يتجزأ من أنشطته في الحياة .0
وإليك أهم الثمار التي يقطفها القارئ في بستان القراءة
أولا: مهارة التواصل و التخاطب.0
القراءة وسيلة للبناء اللغوي؛ لكونها تُمَكن صاحبها من القدرة على التعبير اللفظي وتأليف الكلام باللغة التي يقرأ بها القارئ دونما صعوبة. وهكذا يسهل على القارئ الإعراب عما يخالج نفسه دون مشقة، هذا فضلا عن قدرته على فهم خطاب الآخرين؛ وبالتالي حسن التواصل والتفاهم مع الغير . فالعناية مثلا بقراءة الكتابات الصادرة باللغة العربية تؤدي بالقارئ إلى إتقان العربية وإلى طلاقة لسانه. فكثير من الأدباء العرب لم يصلوا إلى درجة التحكم في اللسان العربي إلا بعد أن تجوّلوا ـ بقراءتهم المُمتعة ـ في بطون الكتب والمقالات الأدبية و التاريخية...
ثانيا: الكفاءة المعرفية.0
المطالعة المنهجية تجعل المطّلع وعاءً للمعارف المتنوعة، لاسيما إذا كان القارئ يطرق العديد من الحقول المعرفية: الأدب، التاريخ، الفكر، التربية، الدين، العلوم المادية...وهكذا. وهذه الصفة المعرفية هي التي تحمي القارئ من الجهالة ومن القصور المعرفي .0
فالمعرفة هي نتاج العبقرية البشرية، وخلاصة الاجتهاد الفكري لدى الإنسان ومنها ماهو مشترك بين جميع بني آدم وهو الغالب، ومنها ما هو خاص بأمة دون أخرى . وتبقى عملية القراءة أفضل مدخل منهجي يسمح بآستلهام التجارب والخبرات المعرفية من الآخر؛ قصد الاستفادة منها في مجالات الحياة...
ثالثا: مَلَكَة الاجتهاد الفكري.0
القراءة السليمة تقتضي أن يكون القارئ ذاتا مفكرة، فالقارئ لكتاب مثلا يقرأ ويستوعب ويُحصَّل، وفي الوقت نفسه يتعلم، وعملية التعلم هذه تستلزم أن يمارس القارئ النشاط التفكيري قصد إدراك وفهم المعاني والدلالات التي يرمي إليها الكاتب.0 ومن ثمة صياغة الخلاصات الفكرية ، وتسجيل الملاحظات.. وهكذا يتدرب القارئ المبتدئ على مهارة التحليل والنقد اللتين تفتحان أمامه أبواب الإبداع و الاجتهاد الفكري.0
إن قراءة الأفكار واستيعابها بشكل منظم سواء في الكُتب أو المقالات أو المواقع الاليكترونية... تفتح للقارئ آفاقا استفهامية بحيث ينجذب – بفكره الخاص – نحو طرح تساؤلات استفهامية يؤسسها من خلال التجارب الفكرية التي أنتجها الآخرون.0 وعندما ينتقل القارئ إلى مرحلة محاولة مقاربة تساؤلاته يجد نفسه مضطرا إلى إعمال فكره وتعبئة طاقاته العقلية بقصد اكتشاف حلول أو إجابات أو رُؤى جديدة لمقامات جديدة.
إن الدُربة على هذه الممارسات المنهجية تجعل القارئ الماهر يحرز ملكة الاجتهاد الفكري؛ المترتبة عن تفاعل القارئ بعقله مع جميع الوضعيات الفكرية المعرفية .0