وفي البيت الثاني : ينمو إحساس الشاعر بتلك الحياة الناشطة في الربيع ، فيتخيل الأزهار التي تعطر الجو بأريجها كائنات بشرية ، كانت بالأمس تغط في نوم عميق ، فأيقظها الربيع في غسق الليل ، لم يمهلها حتى الصباح ؛ لتستقبل النهار منذ البكور ، وقد استكملت بهجتها ، وأخذت زينتها ، فلا يفوتها شيء من جمال النهار وضيائه . ولننظر إلى تعبير الشاعر " أوائل ورد " لنرى كيف استجابت بواكير الأزهار وأجابت دواعي الربيع سريعة ناشطة، فتنبهت تتطلع إليه ، وترف حواليه ، منذ التف بها نسميه ، وطاف بها موكبه . ولنسأل أنفسنا : لم آثر البحتري كملة " نوم " وكان له عنها مندوحة إلى غيرها ، مما يليق بالأزهار ، وليس شاعرنا ممن يضيقون بالقافية المحكمة ، فيعتسف قافية قلقة نابية ؟ وما أسهل أن نتبين أنها الكلمة الدقيقة المختارة ، أصابت مكانها ، وصادفت موقعها الممهد لها ، فالصورة ـ في إطارها العام ـ زهر كان غافلاً عن جمال الحياة ، نائمة عنه عيونه مطبقة دونه جفونه ، فأيقظه الربيع من رقدته ، نبهه من غفلته .