عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-08-22, 13:13 رقم المشاركة : 5
si sajid
بروفســــــــور
إحصائية العضو








si sajid غير متواجد حالياً


افتراضي رد: رائد علم الاجتماع:أوجست كونت


نقد فلسفته الوضعية:

1- من الملاحظ – ابتداء – أن الفيلسوف " كونت" وهو يتكلم عن فلسفته الوضعية يقدم لها بما افتراه من قانون الحالات الثلاث وغيرها ، نقول : نلاحظ كما لاحظ غيرنا أن الرجل يصدر عن فكر نظري بحت . وعن أوهام ذاتية خالصة لا صله لها بالواقع ولا بالموضوع . وبذلك أضحى – وهو الذي ينعى على الأوهام الذاتية ويدعو إلى الوضعية – مثالا واضحا أو نموذجا فاضحا لهؤلاء الذين يعيشون أسرى الأوهام الذاتية من جانب ثم يصدرون في فكرهم عن أبحاث نظرية لا صله لها بالواقع أو الموضوع من جانب آخر ،وبذلك فقد الفيلسوف مصداقيته من اللبنة الأولى للنظرية التي أقام عليها فلسفته .
وقد وقع الفيلسوف في هذه المناقضة الواضحة بين ما يدعو إليه والحقيقة التي هو عليها فعلا حين أقام نظريته في قانون التقدم الإنساني الذي أطلق عليه " قانون الحالات الثلاث" على فكر نظري خيالي بحت ، دون أن يعنى بدراسة المجتمعات الإنسانية في بيئاتها المختلفة ، وأقاليمها المتعددة . ودون أن يعطي الحضارات الدينية والوحي الإلهي لدى المتدينين حقه من حيث البحث والنظر والتحليل والتحقق . كما سيتضح لنا في الفقرات التالية من النقد – بحول بحول الله تعالى ..
2- ينظر " كونت " إلى المجتمعات الإنسانية على أنها بناء واحد ذو لبنات متماثلة ، أو أنها كلٌ لا يتجزأ ، وأن تطورها وتقدمها يخضع لقانون واحد ونمط معين لا يختلف ، بينما الواقع يكذب الذي ذهب إليه الرجل ، ويبين أن المجتمعات تختلف اختلافا بينا في أنماطها الحياتية وأساليبها المعيشية ومستوياتها الثقافية والحضارية مما يجعل إخضاعها جميعها لقانون واحد في التقدم أو التطور أمرا بعيدا عن الواقع والموضوع ويجعل ذلك وهما ذاتيا أو افتراضا خياليا لا يمت للواقع بصلة .
3- مما يؤكد ما قلنا أن الحالات الثلاث التي ذكرها الرجل وأقام عليها نظريته لا تبدو متعاقبة في المجتمعات الإنسانية كما ذكرها بل تختلف المجتمعات فيما بينها من حيث مرورها بهذه الحالات الثلاث ، ومن حيث ترتيبها – إن هي وردت - ؛ فبعض المجتمعات يسير فيها الفهم العلمي للظواهر والأشياء متساويا مع الالتزام الديني أيا كان حظ الدين من الحق أو الباطل ، وذلك كالغرب النصراني ، أو الشرق الهندوسي . وبعضها يسير الفهم العلمي بعيدا عن الدين كما كان الحال في روسيا الشيوعية قبل أن تسقط الشيوعية وترمى في مزابل التاريخ .
فالحالة الوضعية – كما يسميها الفيلسوف – لم تأت على أنقاض الحالة اللاهوتية بل صاحبتها في جملة المجتمعات الإنسانية عدا المجتمعات الشيوعية التي ما إن زالت الشيوعية عنها حتى عادت إلى ما أسماه الفيلسوف " الحالة اللاهوتية " وعاد الناس كلُ ذي دين إلى دينه .
4- وحتى الحالة اللاهوتية - كما أسماها الرجل – لا تسير في نفس المراحل الثلاث التي ذكرها . فلم تبدأ الإنسانية في جميع المجتمعات بالتعدد ثم تنتهي جميعها بالتوحيد . بل هناك مجتمعات تقدمت في مسيرتها العلمية – أو الوضعية – وهي مازالت متمسكة بدينها الوثني القائم على التعدد ، كما في الهند واليابان وما يماثلها
5- وفيما يتصل بالمراحل الثلاث التي ذكرها الرجل للحالة اللاهوتية فإن الرجل عكس الأوضاع وقلب الحقائق حين زعم أن التعدد هو الأصل وأن التوحيد طارئ في آخر المراحل .
فالحق الذي ندين به ، بل ويدين به أصحاب الدينين الكتابيين " اليهود والنصارى" أن التوحيد هو الأصل وهو الصورة الأولى للدين في تاريخ البشرية ، فنحن نؤمن بأن أبا البشر آدم عليه السلام قد خلقه الله – تعالى –وأهبطه إلى الأرض نبيا ، فهو – عليه السلام – أول الأنبياء ، وهو أول البشر ، والدين الذي جاء به هو دين التوحيد لله رب العالمين ، لا شريك له ، وعلى دين آدم عليه السلام كان أولاده ولم يحدث التعدد والوثنية إلا من بعد نوح عليه السلام .
فالتوحيد – إذن – هو أصل الدين في الإنسانية والتعدد هو الطارئ الذي جاء بعد التوحيد . على هذا عقيدتنا وكذلك يعتقد اليهود ، ويعتقد النصارى.
وإذا كان ذلك ، فمن أين وقع الخلط عند الفيلسوف ؟ وما منشؤه ؟ إن الفيلسوف وقع في هذا الخطأ وفي جميع الأخطاء التي شاعت في فلسفته كلها فلم تترك فيها شذرة واحدة من فكر الرجل إلا وهي بينة الخطأ واضحة الفساد ، نقول إنه وقع في ذلك الخطأ وهذه الأضاليل بسبب إلحاده وكفره بالدين النصراني ، وبالأديان جميعها بعامة ، وليس ضلاله هو نوعية الدين الذي يكفر به ، فدينه النصراني باطل ـ لكن رغم بطلانه كان أفضل من إلحاد الرجل وضلاله الذي يجعله يرى أن الأديان كلها فاسدة ، وأنها ظاهرة اجتماعية لا أصل لها ، كما أنها من أوهام الذات وأساطير المجتمع لا صله لها بالواقع ، ومن هنا أقام الرجل فلسفته على هذا الأساس الذي يرى أن جميع الأديان باطلة وأنها من أوهام الذات, واختراع الإنسان .
6- ومن أسباب ضلال الرجل أنه وجد في وقت وزمان كان الناس في حالة افتتان بالعلم وانصراف عن الدين. إذ من المعلوم أن القرون الميلادية : السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر كانت كلها قرون افتتان الناس بالعلم, وانتشار الفلسفات والنظريات الإلحادية, وكان الرجل في هذا ابن بيئته وزمانه ومجتمعه, فكان ملحداً شديد الإلحاد, مفتوناً أشد ما يكون الافتتان بالعلم المادي وطرائقه من الملاحظة والتجربة والفروض والقوانين وغير ذلك. وقد ظن الرجل- كما ظن معاصروه – أن الدين إلى زوال وأفول, وأن الإلحاد إلى انتشار وشمول, ولكن الذي حدث إنما كان على عكس ما توقع الرجل ومتابعوه على " وضعيته ".
فإنه من بدايات القرن العشرين بدأ الناس يثوبون إلى أديانهم, كل إلى دينه, وبدأت مسيرة الإلحاد تبطئ وتتلاشى تدريجياً, حتى عاد الأمر طبيعيا, وبدأت – مساوقة للعودة إلى الدين – الكثير من أصوت الماديين تختفي أو تضعف.
7- وفي ختام نقدنا فلسفة " كونت" الوضعية, أو الفلسفة الوضعية ممثلة في شخص أول من نظّر لها وقعّد لمبادئها. نستطيع أن نبين بوضوح أهم ما وقع فيه الرجل ومشايعوه من أخطاء كانت السبب في فساد فكرهم, وأفول فلسفتهم, وأهم ذلك كله خطآن كبيران :
الأول : أن الرجل لم يدرس المجتمعات البشرية كلها, بل ولا الكثرة منها, بل اكتفى بدراسة أحوال المجتمعات الغربية, وبخاصة المجتمع الفرنسي في زمانه, الذي كان يشيع فيه الإلحاد والمادية, فوضع نظريته بناء على دراسته هذا المجتمع, وطبق نظريته على المجتمعات الإنسانية جميعها, ظانا أنها كلها صورة للمجتمع الذي درسه. وهذا خطأ فاحش, ومنهج فاسد أدى إلى فساد النظرية- كما أشرنا قبلا-.
الثاني :أن الرجل كما اقتصر على دراسة مجتمع واحد ثم عممه على جميع المجتمعات, كذلك اقتصر على دراسة فترة زمنية معينة, وظن أن ما يجري في هذه الفترة الزمنية هو المقياس والمثال لجميع ما يجد من عصور وظروف وملابسات, وأن ما عاصره من ظواهر اجتماعية في بلده ومجتمعه وفي نهاية الفترة سوف يكون هو بعينه في كل الأزمان والعصور التي تجد حتى نهاية الدنيا. ولكن لو طال بالرجل العمر بضعة عقود فقط لرأى وعاش فشل جميع آرائه ونظرياته.
فالرجل أخطأ كثيراً, لكن كانت أقبح أخطائه أنه وضع نظرياته وآراءه لمجتمع واحد من المجتمعات البشرية, ولفترة زمانية معينة من تاريخ هذا المجتمع ؛ فكانت آراؤه فاسدة, وجميع نظرياته فاشلة.
http://www.ejtemay.com/showthread.php?t=9148






التوقيع

    رد مع اقتباس